نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 4 صفحه : 2151
«إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ. وَإِنَّها لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ [1] . إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ» ..
وهكذا صدق النذير، وكان نزول الملائكة إيذانا بعذاب الله الذي لا يرد ولا يمهل ولا يحيد.
كذلك كان الحال مع قوم شعيب- أصحاب الأيكة [2] - ومع قوم صالح- أصحاب الحجر:
«وَإِنْ كانَ أَصْحابُ الْأَيْكَةِ لَظالِمِينَ فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ. وَإِنَّهُما لَبِإِمامٍ مُبِينٍ. وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحابُ الْحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ وَآتَيْناهُمْ آياتِنا فَكانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ وَكانُوا يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً آمِنِينَ فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُصْبِحِينَ، فَما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ» ..
وقد فصل القرآن قصة شعيب مع قومه: أهل مدين وأصحاب الأيكة في مواضع أخرى. فأما هنا فيشير إشارة إلى ظلمهم وإلى مصرعهم تصديقا لنبأ العذاب، في هذا الشوط، ولإهلاك القرى بعد انقضاء الأجل المعلوم الوارد في مطالع السورة. ومدين والأيكة كانتا بالقرب من قرى لوط. والإشارة الواردة هنا..
«وَإِنَّهُما لَبِإِمامٍ مُبِينٍ..» قد تعني مدين والأيكة، فهما في طريق واضح غير مندثر، وقد تعني قرى لوط السالفة الذكر وقرية شعيب، جمعهما لأنهما في طريق واحد بين الحجاز والشام. ووقوع القرى الداثرة على الطريق المطروق أدعى إلى العبرة، فهي شاهد حاضر يراه الرائح والغادي. والحياة تجري من حولها وهي داثرة كأن لم تكن يوماً عامرة. والحياة لا تحفلها وهي ماضية في الطريق! أما اصحاب الحجر فهم قوم صالح، والحجر تقع بين الحجاز والشام إلى وادي القرى، وهي ظاهرة إلى اليوم. فقد نحتوها في الصخر في ذلك الزمان البعيد، مما يدل على القوة والأيد والحضارة.
«وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحابُ الْحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ» ..
وهم لم يكذبوا سوى رسولهم صالح. ولكن صالحا ليس إلا ممثلا للرسل أجمعين فلما كذبه قومه قيل:
إنهم كذبوا المرسلين. توحيدا للرسالة وللرسل وللمكذبين. في كل أعصار التاريخ، وفي كل جوانب الأرض، على اختلاف الزمان والمكان والأشخاص والأقوام.
«وَآتَيْناهُمْ آياتِنا فَكانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ» ..
وآية صالح كانت الناقة. ولكن الآيات في هذا الكون كثير. والآيات في هذه الأنفس كثير. وكلها معروضة للأنظار والأفكار. وليست الخارقة التي جاءهم بها صالح هي وحدها الآية التي آتاهم الله. وقد أعرضوا عن آيات الله كلها، ولم يفتحوا لها عينا ولا قلبا، ولم يستشعرها فيهم عقل ولا ضمير.
«وَكانُوا يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً آمِنِينَ، فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُصْبِحِينَ، فَما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ» ..
وهذه اللمحة الخاطفة من الأمن في البيوت الحصينة في صلب الجبال، إلى الصيحة التي تأخذهم فلا تبقي لهم مما جمعوا ومما كسبوا ومما بنوا ومما نحتوا شيئاً يغني عنهم ويدفع الهلاك الخاطف.. هذه اللمحة تلمس القلب البشري لمسة عنيفة. فما يأمن قوم على أنفسهم أكثر مما يأمن قوم بيوتهم منحوتة في صلب الصخور.
وما يبلغ الاطمئنان بالناس في وقت أشد من اطمئنانهم في وقت الصباح المشرق الوديع.. وها هم أولاء [1] طريق باق لم يندثر. [2] الشجر الملتف الكثيف. وقد أرسل شعيب إلى أصحاب الأيكة وإلى أهل مدين.
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 4 صفحه : 2151