responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 4  صفحه : 2149
«قالُوا: بَلْ جِئْناكَ بِما كانُوا فِيهِ يَمْتَرُونَ، وَأَتَيْناكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّا لَصادِقُونَ» ..
وهذه التوكيدات كلها تصور لنا جزع لوط وكربه. وهو في حيرة بين واجبه لضيفه وضعفه عن حمايتهم في وجه قومه. فجاءه التوكيد بعد التوكيد، لإدخال الطمأنينة عليه قبل إلقاء التعليمات إليه:
«فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ. وَاتَّبِعْ أَدْبارَهُمْ، وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ، وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ» ..
والسرى سير الليل، والقطع من الليل جزؤه. وقد كان الأمر للوط أن يسير بقومه في الليل قبل الصبح، وأن يكون هو في مؤخرتهم يتفقدهم ولا يدع أحدا منهم يتخلف أو يتلكأ أو يتلفت إلى الديار على عادة المهاجرين الذين يتنازعهم الشوق إلى ما خلفوا من ديارهم فيتلفتون إليها ويتلكأون. وكان الموعد هو الصبح والصبح قريب:
«وَقَضَيْنا إِلَيْهِ ذلِكَ الْأَمْرَ: أَنَّ دابِرَ هؤُلاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ» ..
وأطلعناه على ذلك الأمر الخطير: أن آخر هؤلاء القوم- وهو دابرهم- مقطوع في الصباح. وإذا انقطع آخرهم فقد انقطع أولهم والتعبير على هذا النحو يصور النهاية الشاملة التي لا تبقي أحدا. فلا بد من الحرص واليقظة كي لا يتخلف أحد ولا يتلفت، فيصيبه ما يصيب أهل المدينة المتخلفين.
قدم السياق هذه الواقعة في القصة لأنها الأنسب لموضوع السورة كله. ثم أكمل ما حدث من قوم لوط قبلها.
لقد تسامعوا بأن في بيت لوط شبانا صباح الوجوه ففرحوا بأن هناك صيدا:
«وَجاءَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَسْتَبْشِرُونَ» ..
والتعبير على هذا النحو يكشف عن مدى الشناعة والبشاعة الذي وصل إليه القوم في الدنس والفجور في الفاحشة الشاذة المريضة. يكشف عن هذا المدى في مشهد أهل المدينة يجيئون جماعة، يستبشرون بالعثور على شبان يعتدون عليهم جهرة وعلانية. هذه العلانية الفاضحة في طلب هذا المنكر- فوق المنكر ذاته- شيء بشع لا يكاد الخيال يتصور وقوعه لولا أنه وقع. فقد يشذ فرد مريض فيتوارى بشذوذه، ويتخفى بمرضه، ويحاول الحصول على لذته المستقذرة في الخفاء وهو يخجل أن يطلع عليه الناس. وإن الفطرة السليمة لتتخفى بهذه اللذة حين تكون طبيعية. بل حين تكون شرعية. وبعض أنواع الحيوان يتخفى بها كذلك.. بينما أولئك القوم المنحوسون يجاهرون بها، ويتجمهرون لتحصيلها، ويستبشرون جماعات وهم يتلمظون عليها! إنها حالة من الارتكاس معدومة النظير.
فأما لوط فوقف مكروباً يحاول أن يدفع عن ضيفه وعن شرفه. وقف يستشير النخوة الآدمية فيهم ويستجيش وجدان التقوى لله. وإنه ليعلم أنهم لا يتقون الله، ويعلم أن هذه النفوس المرتكسة المطموسة لم تعد فيها نخوة ولا شعور إنساني يستجاش. ولكنه في كربه وشدته يحاول ما يستطيع:
«قالَ: إِنَّ هؤُلاءِ ضَيْفِي فَلا تَفْضَحُونِ، وَاتَّقُوا اللَّهَ وَلا تُخْزُونِ» ..
وبدلا من أن يثير هذا في نفوسهم رواسب المروءة والحياة، إذا هم يتبجحون فيؤنبون لوطا على استضافة أحد من الرجال. كأنما هو الجاني الذي هيأ لهم أسباب الجريمة ودفعهم إليها وهم لا يملكون له دفاعا! «قالُوا: أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعالَمِينَ؟» ..
ويمضي لوط في محاولته يلوح لهم باتجاه الفطرة السليم إلى الجنس الآخر. إلى الإناث اللواتي جعلهن الله

نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 4  صفحه : 2149
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست