responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 4  صفحه : 2109
الذاكر الشاكر، ليرد الجاحدين إلى الاعتراف، ويرد الكافرين إلى الشكر، ويرد الغافلين إلى الذكر، ويرد الشاردين من أبنائه إلى سيرة أبيهم لعلهم يقتدون بها ويهتدون.
ويبدأ إبراهيم دعاءه:
«رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً» ..
فنعمة الأمن نعمة ماسة بالإنسان، عظيمة الوقع في حسه، متعلقة بحرصه على نفسه. والسياق يذكرها هنا ليذكر بها سكان ذلك البلد، الذين يستطيلون بالنعمة ولا يشكرونها وقد استجاب الله دعاء أبيهم إبراهيم فجعل البلد آمناً، ولكنهم هم سلكوا غير طريق إبراهيم، فكفروا النعمة، وجعلوا لله أنداداً، وصدوا عن سبيل الله. ولقد كانت دعوة أبيهم التالية لدعوة الأمن:
«وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ» ..
ويبدو في دعوة إبراهيم الثانية تسليم إبراهيم المطلق إلى ربه، والتجاؤه إليه في أخص مشاعر قلبه. فهو يدعوه أن يجنبه عبادة الأصنام هو وبنيه، يستعينه بهذا الدعاء ويستهديه. ثم ليبرز أن هذه نعمة أخرى من نعم الله. وإنها لنعمة أن يخرج القلب من ظلمات الشرك وجهالاته إلى نور الإيمان بالله وتوحيده. فيخرج من التيه والحيرة والضلال والشرود، إلى المعرفة والطمأنينة والاستقرار والهدوء. ويخرج من الدينونة المذلة لشتى الأرباب، إلى الدينونة الكريمة العزيزة لرب العباد.. إنها لنعمة يدعو إبراهيم ربه ليحفظها عليه، فيجنبه هو وبنيه أن يعبد الأصنام.
يدعو إبراهيم دعوته هذه لما شهده وعلمه من كثرة من ضلوا بهذه الأصنام من الناس في جيله وفي الأجيال التي قبله ومن فتنوا بها ومن افتتنوا وهم خلق كثير:
«رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ» ..
ثم يتابع الدعاء.. فأما من تبع طريقي فلم يفتتن بها فهو مني، ينتسب إلي ويلتقي معي في الآصرة الكبرى، آصرة العقيدة:
«فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي» ..
وأما من عصاني منهم فأفوض أمره إليك:
«وَمَنْ عَصانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ» ..
وفي هذا تبدو سمة إبراهيم العطوف الرحيم الأواه الحليم فهو لا يطلب الهلاك لمن يعصيه من نسله ويحيد عن طريقه، ولا يستعجل لهم العذاب بل لا يذكر العذاب، إنما يكلهم إلى غفران الله ورحمته. ويلقي على الجو ظلال المغفرة والرحمة وتحت هذا الظل يتوارى ظل المعصية فلا يكشف عنه إبراهيم الرحيم الحليم! ويمضي إبراهيم في دعائه يذكر إسكانه لبعض أبنائه بهذا الوادي المجدب المقفر المجاور للبيت المحرم، ويذكر الوظيفة التي اسكنهم في هذا القفر الجدب ليقوموا بها:
«رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ» ..
لماذا؟
«رَبَّنا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ» ..

نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 4  صفحه : 2109
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست