responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 4  صفحه : 2110
فهذا هو الذي من أجله أسكنهم هناك، وهذا هو الذي من أجله يحتملون الجدب والحرمان.
«فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ» ..
وفي التعبير رقة ورفرفة، تصور القلوب رفافة مجنحة، وهي تهوي إلى ذلك البيت وأهله في ذلك الوادي الجديب. إنه تعبير نديّ يندِّي الجدب برقة القلوب..
«وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَراتِ» ..
عن طريق تلك القلوب التي ترف عليهم من كل فج..لماذا؟ أليأكلوا ويطعموا ويستمتعوا؟ نعم! ولكن لينشأ عن ذلك ما يرجوه إبراهيم الشكور:
«لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ» ..
وهكذا يبرز السياق هدف السكنى بجوار البيت الحرام.. إنه إقامة الصلاة على أصولها كاملة لله. ويبرز هدف الدعاء برفرفة القلوب وهويّها إلى أهل البيت ورزقهم من ثمرات الأرض.. إنه شكر الله المنعم الوهاب.
وفي ظل هذا الدعاء تبدو المفارقة واضحة في موقف قريش جيرة البيت المحرم.. فلا صلاة قائمة لله، ولا شكر بعد استجابة الدعاء، وهويّ القلوب والثمرات! ويعقب إبراهيم على دعاء الله لذريته الساكنة بجوار بيته المحرم لتقيم الصلاة وتشكر الله.. يعقب على الدعاء بتسجيله لعلم الله الذي يطلع على ما في قلوبهم من توجه وشكر ودعاء. فليس القصد هو المظاهرات والأدعية والتصدية والمكاء. إنما هو توجه القلب إلى الله الذي يعلم السر والجهر ولا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء:
«رَبَّنا إِنَّكَ تَعْلَمُ ما نُخْفِي وَما نُعْلِنُ: وَما يَخْفى عَلَى اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ» ..
ويذكر إبراهيم نعمة الله عليه من قبل فيلهج لسانه بالحمد والشكر شأن العبد الصالح يذكر فيشكر:
«الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ، إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعاءِ» ..
وهبة الذرية على الكبر أوقع في النفس. فالذرية امتداد. وما أجل الإنعام به عند شعور الفرد بقرب النهاية، وحاجته النفسية الفطرية إلى الامتداد. وإن إبراهيم ليحمد الله، ويطمع في رحمته:
«إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعاءِ» .
ويعقب على الشكر بدعاء الله أن يجعله مديماً للشكر. الشكر بالعبادة والطاعة فيعلن بهذا تصميمه على العبادة وخوفه أن يعوقه عنها عائق، أو يصرفه عنها صارف، ويستعين الله على إنفاذ عزيمته وقبول دعائه:
«رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ. وَمِنْ ذُرِّيَّتِي. رَبَّنا وَتَقَبَّلْ دُعاءِ» ..
وفي ظل هذا الدعاء تبدو المفارقة مرة أخرى في موقف جيرة البيت من قريش. وهذا إبراهيم يجعل عون الله له على إقامة الصلاة رجاء يرجوه، ويدعو الله ليوفقه إليه. وهم ينأون عنها ويعرضون، ويكذبون الرسول الذي يذكرهم بما كان إبراهيم يدعو الله أن يعينه عليه هو وبنيه من بعده! ويختم إبراهيم دعاءه الضارع الخاشع بطلب المغفرة له ولوالديه وللمؤمنين جميعاً، يوم يقوم الحساب، فلا ينفع إنساناً إلا عمله ثم مغفرة الله في تقصيره:
«رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسابُ» ..
وينتهي المشهد الطويل: مشهد الدعاء الخاشع الضارع. ومشهد تعداد النعم والشكر عليها.. في إيقاع موسيقي

نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 4  صفحه : 2110
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست