نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 4 صفحه : 2107
بالقياس إلى الإنسان: خط السماوات والأرض. يتبعه خط الماء النازل من السماء والثمرات النابته من الأرض بهذا الماء. فخط البحر تجري فيه الفلك والأنهار تجري بالأرزاق.. ثم تعود الريشة إلى لوحة السماء بخط جديد.
خط الشمس والقمر. فخط آخر في لوحة الأرض متصل بالشمس والقمر: خط الليل والنهار.. ثم الخط الشامل الأخير الذي يلون الصفحة كلها ويظللها:
«وَآتاكُمْ مِنْ كُلِّ ما سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لا تُحْصُوها» ..
إنه الإعجاز الذي تتناسق فيه كل لمسة وكل خط وكل لون وكل ظل. في مشهد الكون ومعرض الآلاء.
أفكل هذا مسخر للإنسان؟ أفكل هذا الكون الهائل مسخر لذلك المخلوق الصغير؟ السماوات ينزل منها الماء، والأرض تتلقاه، والثمرات تخرج من بينهما. والبحر تجري فيه الفلك بأمر الله مسخرة. والأنهار تجري بالحياة والأرزاق في مصلحة الإنسان. والشمس والقمر مسخران دائبان لا يفتران. والليل والنهار يتعاقبان.. أفكل أولئك للإنسان؟ ثم لا يشكر ولا يذكر؟
«إِنَّ الْإِنْسانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ» ! «اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ» ..
وبعد ذلك يجعلون لله أنداداً، فكيف يكون الظلم في التقدير، والظلم في عبادة خلق من خلقه في السماوات أو في الأرض؟
«وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماء فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ» ..
والزرع مورد الرزق الأول، ومصدر النعمة الظاهر. والمطر والإنبات كلاهما يتبع السنة التي فطر الله عليها هذا الكون، ويتبع الناموس الذي يسمح بنزول المطر وإنبات الزرع وخروج الثمر، وموافقة هذا كله للإنسان. وإنبات حبة واحدة يحتاج إلى القوة المهيمنة على هذا الكون كله لتسخر أجرامه وظواهره في إنبات هذه الحبة وإمدادها بعوامل الحياة من تربة وماء وأشعة وهواء. والناس يسمعون كلمة «الرزق» فلا يتبادر إلى أذهانهم إلا صورة الكسب للمال. ولكن مدلول «الرزق» أوسع من ذلك كثيراً، وأعمق من ذلك كثيراً.. إن أقل «رزق» يرزقه الكائن الإنساني في هذا الكون يقتضي تحريك أجرام هذا الكون وفق ناموس يوفر مئات الآلاف من الموافقات المتواكبة المتناسقة التي لو لاها لم يكن لهذا الكائن ابتداء وجود ولم تكن له بعد وجوده حياة وامتداد. ويكفي ما ذكر في هذه الآيات من تسخير الأجرام والظواهر ليدرك الإنسان كيف هو مكفول محمول بيد الله..
«وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ» ..
بما أودع في العناصر من خصائص تُجري الفلك على سطح الماء وبما اودع في الإنسان من خصائص يدرك بها ناموس الأشياء وكلها مسخرة بأمر الله للإنسان.
«وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهارَ» ..
تجري فتجري الحياة، وتفيض فيفيض الخير، وتحمل ما تحمل في جوفها من أسماك وأعشاب وخيرات..
كلها للإنسان ولما يستخدمه الإنسان من طير وحيوان..
«وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دائِبَيْنِ» ..
لا يستخدمهما الإنسان مباشرة كما يستخدم الماء والثمار والبحار والفلك والأنهار.. ولكنه ينتفع بآثارهما،
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 4 صفحه : 2107