responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 4  صفحه : 2091
هنا يرجع القوم في جهالتهم إلى ذلك الاعتراض الجهول:
«قالُوا: إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا، تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونا عَمَّا كانَ يَعْبُدُ آباؤُنا» ..
وبدلاً من أن يعتز البشر باختيار الله لواحد منهم ليحمل رسالته، فإنهم لجهالتهم ينكرون هذا الاختيار، ويجعلونه مثار ريبة في الرسل المختارين ويعللون دعوة رسلهم لهم بأنها رغبة في تحويلهم عما كان يعبد آباؤهم. ولا يسألون أنفسهم: لماذا يرغب الرسل في تحويلهم؟! وبطبيعة الجمود العقلي الذي تطبعه الوثنيات في العقول لا يفكرون فيما كان يعبد آباؤهم: ما قيمته؟ ما حقيقته؟ ماذا يساوي في معرض النقد والتفكير؟! وبطبيعة الجمود العقلي كذلك لا يفكرون في الدعوة الجديدة، إنما يطلبون خارقة ترغمهم على التصديق:
«فَأْتُونا بِسُلْطانٍ مُبِينٍ» ..
ويرد الرسل.. لا ينكرون بشريتهم بل يقررونها، ولكنهم يوجهون الأنظار إلى منة الله في اختيار رسل من البشر، وفي منحهم ما يؤهلهم لحمل الأمانة الكبرى:
«قالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ: إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ. وَلكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ» ..
ويذكر السياق لفظ «يمن» تنسيقاً للحوار مع جو السورة. جو الحديث عن نعم الله. ومنها هذه المنة على من يشاء من عباده. وهي منة ضخمة لا على أشخاص الرسل وحدهم. ولكن كذلك على البشرية التي تشرف بانتخاب أفراد منها لهذه المهمة العظمى. مهمة الاتصال والتلقي من الملأ الأعلى. وهي منة على البشرية بتذكير الفطرة التي ران عليها الركام لتخرج من الظلمات إلى النور ولتتحرك فيها أجهزة الاستقبال والتلقي فتخرج من الموت الراكد إلى الحياة المتفتحة.. ثم هي المنة الكبرى على البشرية بإخراج الناس من الدينونة للعباد إلى الدينونة لله وحده بلا شريك واستنقاذ كرامتهم وطاقتهم من الذل والتبدد في الدينونة للعبيد..
الذل الذي يحني هامة إنسان لعبد مثله! والتبدد الذي يسخر طاقة إنسان لتأليه عبد مثله! فأما حكاية الإتيان بسلطان مبين، وقوة خارقة، فالرسل يبينون لقومهم أنها من شأن الله. ليفرقوا في مداركهم المبهمة المظلمة بين ذات الله الإلهية، وذواتهم هم البشرية، وليمحصوا صورة التوحيد المطلق الذي لا يلتبس بمشابهة في ذات ولا صفة، وهي المتاهة التي تاهت فيها الوثنيات كما تاهت فيها التصورات الكنسية في المسيحية عند ما تلبست بالوثنيات الإغريقية والرومانية والمصرية والهندية. وكانت نقطة البدء في المتاهة هي نسبة الخوارق إلى عيسى- عليه السلام- بذاته واللبس بين ألوهية الله وعبودية عيسى عليه السلام! «وَما كانَ لَنا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطانٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ» ..
وما نعتمد على قوة غير قوته:
«وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ» ..
يطلقها الرسل حقيقة دائمة. فعلى الله وحده يتوكل المؤمن، لا يتلفت قلبه إلى سواه، ولا يرجو عوناً إلا منه، ولا يرتكن إلا إلى حماه.
ثم يواجهون الطغيان بالإيمان، ويواجهون الأذى بالثبات ويسألون للتقرير والتوكيد:
«وَما لَنا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدانا سُبُلَنا؟ وَلَنَصْبِرَنَّ عَلى ما آذَيْتُمُونا، وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ» ..
«وَما لَنا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدانا سُبُلَنا» ..
إنها كلمة المطمئن إلى موقفه وطريقه. المالئ يديه من وليه وناصره. المؤمن بأن الله الذي يهدي السبيل لا بد

نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 4  صفحه : 2091
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست