نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 4 صفحه : 2092
أن ينصر وأن يعين. وماذا يهم حتى ولو لم يتم في الحياة الدنيا نصر إذا كان العبد قد ضمن هداية السبيل؟
والقلب الذي يحس أن يد الله- سبحانه- تقود خطاه، وتهديه السبيل، هو قلب موصول بالله لا يخطئ الشعور بوجوده- سبحانه- وألوهيته القاهرة المسيطرة وهو شعور لا مجال معه للتردد في المضي في الطريق، أياً كانت العقبات في الطريق، وأياً كانت قوى الطاغوت التي تتربص في هذا الطريق. ومن ثم هذا الربط في رد الرسل- صلوات الله وسلامه عليهم- بين شعورهم بهداية الله لهم وبين توكلهم عليه في مواجهة التهديد السافر من الطواغيت ثم إصرارهم على المضي في طريقهم في وجه هذا التهديد.
وهذه الحقيقة- حقيقة الارتباط في قلب المؤمن بين شعوره بهداية الله وبين بديهية التوكل عليه- لا تستشعرها إلا القلوب التي تزاول الحركة فعلاً في مواجهة طاغوت الجاهلية والتي تستشعر في أعماقها يد الله- سبحانه- وهي تفتح لها كوى النور فتبصر الآفاق المشرقة وتستروح أنسام الإيمان والمعرفة، وتحس الأنس والقربى..
وحينئذ لا تحفل بما يتوعدها به طواغيت الأرض ولا تملك أن تستجيب للإغراء ولا للتهديد وهي تحتقر طواغيت الأرض وما في أيديهم من وسائل البطش والتنكيل. وماذا يخاف القلب الموصول بالله على هذا النحو؟ وماذا يخيفه من أولئك العبيد؟! «وَما لَنا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدانا سُبُلَنا» ..
«وَلَنَصْبِرَنَّ عَلى ما آذَيْتُمُونا» ..
لنصبرن لا نتزحزح ولا نضعف ولا نتراجع ولا نهن، ولا نتزعزع ولا نشك ولا نفرط ولا نحيد..
«وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ» ..
وهنا يسفر الطغيان عن وجهه. لا يجادل ولا يناقش ولا يفكر ولا يتعقل، لأنه يحس بهزيمته أمام انتصار العقيدة، فيسفر بالقوة المادية الغليظة التي لا يملك غيرها المتجبرون:
«وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ: لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا» ! هنا تتجلى حقيقة المعركة وطبيعتها بين الإسلام والجاهلية.. إن الجاهلية لا ترضى من الإسلام أن يكون له كيان مستقل عنها. ولا تطيق أن يكون له وجود خارج عن وجودها. وهي لا تسالم الإسلام حتى لو سالمها.
فالإسلام لا بد أن يبدو في صورة تجمع حركي مستقل بقيادة مستقلة وولاء مستقل، وهذا ما لا تطيقه الجاهلية.
لذلك لا يطلب الذين كفروا من رسلهم مجرد أن يكفوا عن دعوتهم ولكن يطلبون منهم أن يعودوا في ملتهم، وأن يندمجوا في تجمعهم الجاهلي، وأن يذوبوا في مجتمعهم فلا يبقى لهم كيان مستقل. وهذا ما تأباه طبيعة هذا الدين لأهله، وما يرفضه الرسل من ثم ويأبونه، فما ينبغي لمسلم أن يندمج في التجمع الجاهلي مرة أخرى..
وعند ما تسفر القوة الغاشمة عن وجهها الصلد لا يبقى مجال لدعوة، ولا يبقى مجال لحجة ولا يسلم الله الرسل إلى الجاهلية..
إن التجمع الجاهلي- بطبيعة تركيبه العضوي- لا يسمح لعنصر مسلم أن يعمل من داخله، إلا أن يكون عمل المسلم وجهده وطاقته لحساب التجمع الجاهلي، ولتوطيد جاهليته! والذين يخيل إليهم أنهم قادرون على العمل لدينهم من خلال التسرب في المجتمع الجاهلي، والتميع في تشكيلاته وأجهزته هم ناس لا يدركون الطبيعة العضوية للمجتمع. هذه الطبيعة التي ترغم كل فرد داخل المجتمع أن يعمل لحساب هذا المجتمع
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 4 صفحه : 2092