نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 4 صفحه : 2040
المكية وفي غيرها من السور المدنية. فهو في كل مرة يعرض بطريقة جديدة وفي ضوء جديد ويتناول عرضه مؤثرات وموحيات ذات إيقاع جديد وإيحاء جديد! إن هذه القضايا لا تعرض عرضا جدليا باردا يقال في كلمات وينتهي كأية قضية ذهنية باردة إنما تعرض وحولها اطار، هو هذا الكون كله بكل ما فيه من عجائب هي براهين هذه القضايا وآياتها في الإدراك البشري البصير المفتوح. وهذه العجائب لا تنفد ولا تبلى جدتها. لأنها تنكشف كل يوم عن جديد يصل إليه الإدراك، وما كشف منها من قبل يبدو جديدا في ضوء الجديد الذي يكشف! ومن ثم تبقى تلك القضايا حية في مهرجان العجائب الكونية التي لا تنفد ولا تبلى جدتها! وهذه السورة تطوف بالقلب البشري في مجالات وآفاق وآماد وأعماق وتعرض عليه الكون كله في شتى مجالاته الأخاذة: في السماوات المرفوعة بغير عمد. وفي الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى. وفي الليل يغشاه النهار. وفي الأرض الممدودة وما فيها من رواس نابتة وأنهار جارية، وجنات وزرع ونخيل مختلف الأشكال والطعوم والألوان، ينبت في قطع من الأرض متجاورات ويسقى بماء واحد. وفي البرق يخيف ويطمع، والرعد يسبح ويحمد، والملائكة تخاف وتخشع، والصواعق يصيب بها من يشاء، والسحاب الثقال والمطر في الوديان، والزبد الذي يذهب جفاء، ليبقى في الأرض ما ينفع الناس.
وهي تلاحق ذلك القلب أينما توجه: تلاحقه بعلم الله النافذ الكاشف الشامل، يلم بالشارد والوارد، والمستخفي والسارب، ويتعقب كل حي ويحصي عليه الخواطر والخوالج.
والغيب المكنون الذي لا تدركه الظنون، مكشوفا لعلم الله، وما تحمل كل أنثى، وما تغيض الأرحام وما تزداد.
إنها تقرب لمدارك البشر شيئا من حقيقة القوة الكبرى المحيطة بالكون ظاهره وخافيه، جليله ودقيقه، حاضره وغيبه. وهذا القدر الذي يمكن لمدارك البشر تصوره هائل مخيف، ترجف له القلوب.
وذلك إلى الأمثال المصورة تتمثل في مشاهد حية حافلة بالحركة والانفعال. إلى مشاهد القيامة، وصور النعيم والعذاب، وخلجات الأنفس في هذا وذاك. إلى وقفات على مصارع الغابرين، وتأملات في سير الراحلين، وفي سنة الله التي مشت عليهم فإذا هم داثرون..
هذا عن موضوعات السورة وقضاياها، وعن آفاقها الكونية وآمادها.. ووراءها خصائص الأداء الفنية العجيبة. فالإطار العام الذي تعرض فيه قضاياها هو الكون كما أسلفنا ومشاهده وعجائبه في النفس وفي الآفاق. وهذا الإطار ذو جو خاص:
إنه جو المشاهد الطبيعية المتقابلة: من سماء وأرض. وشمس وقمر. وليل ونهار. وشخوص وظلال.
وجبال راسية وأنهار جارية. وزبد ذاهب وماء باق. وقطع من الأرض متجاورات مختلفات. ونخيل صنوان وغير صنوان.. ومن ثم تطرد هذه التقابلات في كل المعاني وكل الحركات وكل المصائر في السورة، فيتناسق التقابل المعنوي في السورة مع التقابلات الحسية، وتتسق في الجو العام.. ومن ثم يتقابل الاستعلاء في الاستواء على العرش مع تسخير الشمس والقمر. ويتقابل ما تغيض الأرحام مع ما تزداد. ويتقابل من أسرّ القول مع من جهر به. ومن هو مستخف بالليل مع من هو سارب بالنهار. ويتقابل الخوف مع الطمع تجاه البرق. ويتقابل تسبيح الرعد حمدا مع تسبيح الملائكة خوفا. وتتقابل دعوة الحق لله مع دعوة الباطل
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 4 صفحه : 2040