نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 4 صفحه : 2019
جزاؤه من وجد في رحله فهو جزاؤه، كذلك نجزي الظالمين. فبدأ بأوعيتهم قبل وعاء أخيه ثم استخرجها من وعاء أخيه- كذلك كدنا ليوسف، ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك، إلا أن يشاء الله، نرفع درجات من نشاء وفوق كل ذي علم عليم- قالوا: إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل. فأسرها يوسف في نفسه ولم يبدها لهم. قال: أنتم شر مكاناً. والله أعلم بما تصفون. قالوا: يا أيها العزيز إن له أبا شيخا كبيرا، فخذ أحدنا مكانه، إنا نراك من المحسنين. قال: معاذ الله أن نأخذ إلا من وجدنا متاعنا عنده. إنا إذن لظالمون» ..
وهو مشهد مثير، حافل بالحركات والانفعالات والمفاجئات، كأشد ما تكون المشاهد حيوية وحركة وانفعالاً، غير أن هذا صورة من الواقع يعرضها التعبير القرآني هذا العرض الحي الأخاذ.
فمن وراء الستار يدس يوسف كأس الملك- وهي عادة من الذهب- وقيل: إنها كانت تستخدم للشراب، ويستخدم قعرها الداخل المجوف من الناحية الأخرى في كيل القمح، لندرته وعزته في تلك المجاعة.
يدسها في الرحل المخصص لأخيه، تنفيذاً لتدبير خاص ألهمه الله له وسنعلمه بعد قليل.
ثم ينادي مناد بصوت مرتفع، في صيغة إعلان عام، وهم منصرفون:
«أيتها العير إنكم لسارقون» ..
ويرتاع إخوة يوسف لهذا النداء الذي يتهمهم بالسرقة- وهم أبناء يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم- فيعودون أدراجهم يتبينون الأمر المريب:
«قالوا- وأقبلوا عليهم- ماذا تفقدون؟» .
قال الغلمان الذين يتولون تجهيز الرحال، أو الحراس ومنهم هذا الذي أذاع بالإعلان:
«قالوا: نفقد صواع الملك» ..
وأعلن المؤذن أن هناك مكافأة لمن يحضره متطوعاً. وهي مكأفاة ثمينة في هذه الظروف:
«ولمن جاء به حمل بعير» من القمح العزيز «وأنا به زعيم» .. أي كفيل.
ولكن القوم مستيقنون من براءتهم، فهم لم يسرقوا، وما جاءوا ليسرقوا وليجترحوا هذا الفساد الذي يخلخل الثقة والعلاقات في المجتمعات، فهم يقسمون واثقين:
«قالوا: تالله لقد علمتم ما جئنا لنفسد في الأرض» ..
فقد علمتم من حالنا ومظهرنا ونسبنا أننا لا نجترح هذا..
«وما كنا سارقين» .. أصلاً فما يقع منا مثل هذا الفعل الشنيع.
قال الغلمان أو الحراس:
«فما جزاؤه إن كنتم كاذبين؟» ..
وهنا ينكشف طرف التدبير الذي ألهمه الله يوسف. فقد كان المتبع في دين يعقوب: أن يؤخذ السارق رهينة أو أسيراً أو رقيقاً في مقابل ما يسرق. ولما كان إخوة يوسف موقنين بالبراءة، فقد ارتضوا تحكيم شريعتهم فيمن يظهر أنه سارق. ذلك ليتم تدبير الله ليوسف وأخيه:
«قالوا: جزاؤه من وجد في رحله فهو جزاؤه. كذلك نجزي الظالمين» ..
وهذه هي شريعتنا نحكمها في السارق. والسارق من الظالمين.
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 4 صفحه : 2019