responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 4  صفحه : 2020
كل هذا الحوار كان على منظر ومسمع من يوسف. فأمر بالتفتيش. وأرشدته حصافته إلى أن يبدأ برحالهم قبل رحل أخيه، كي لا يثير شبهة في نتيجة التفتيش:
«فبدأ بأوعيتهم قبل وعاء أخيه. ثم استخرجها من وعاء أخيه» ! ويدعنا السياق نتصور الدهشة بالمفاجأة العنيفة لأبناء يعقوب الموقنين ببراءتهم، الحالفين، المتحدين.. فلا يذكر شيئاً عن هذا، بل يتركه يتملاه الخيال على الصورة التي تكمل رسم المشهد بانفعالاته.. بينما يأخذ في التعقيب ببعض مرامي القصة، ريثما يفيق النظارة وأبناء يعقوب مما هم فيه:
«كذلك كدنا ليوسف» ..
أي كذلك دبرنا له هذا التدبير الدقيق.
«ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك» ..
فلو حكّم شريعة الملك ما تمكن من أخذ أخيه، إنما كان يعاقب السارق على سرقته، دون أن يستولي على أخيه كما استولى عليه بتحكيم إخوته لدينهم هم. وهذا هو تدبير الله الذي ألهم يوسف أسبابه. وهو كيد الله له. والكيد يطلق على التدبير في الخفاء للخير أو للشر سواء. وإن كان الشر قد غلب عليه. وظاهر الأمر هنا أنه شر يحل بأخيه وهو شر يحل بإخوته لأحراجهم أمام أبيه. وهو سوء- ولو مؤقتاً- لأبيه. فلهذا اختار تسميته كيداً على إجمال اللفظ وبالإلماع إلى ظاهره. وهو من دقائق التعبير.
«ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك» .. «إلا أن يشاء الله» ..
فيدبر مثل هذا التدبير الذي رأيناه.
ويتضمن التعقيب الإشارة إلى ما ناله يوسف من رفعة:
«نرفع درجات من نشاء» ..
وإلى ما ناله من علم، مع التنبيه إلى أن علم الله هو الأعلى:
«وفوق كل ذي علم عليم» ..
وهو احتراس لطيف دقيق.
ولا بد أن نقف أمام التعبير القرآني الدقيق العميق:
«كذلك كدنا ليوسف.. ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك ... » ..
إن هذا النص يحدد مدلول كلمة «الدين» - في هذا الموضع- تحديداً دقيقاً.. إنه يعني: نظام الملك وشرعة.. فإن نظام الملك وشرعه ما كان يجعل عقوبة السارق هو أخذه في جزاء سرقته. إنما هذا كان نظام يعقوب وشريعة دينه. وقد ارتضى إخوة يوسف تحكيم نظامهم هم وشريعتهم فطبقها يوسف عليهم عند ما وجد صواع الملك في رحل أخيه.. وعبر القرآن الكريم عن النظام والشريعة بأنها «الدين» ..
هذا المدلول القرآني الواضح هو الذي يغيب في جاهلية القرن العشرين عن الناس جميعاً. سواء منهم من يدعون أنفسهم مسلمين وغيرهم من الجاهليين! إنهم يقصرون مدلول «الدين» على الاعتقاد والشعائر.. ويعدون كل من يعتقد في وحدانية الله وصدق رسوله ويؤمن بملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره ويؤدي الشعائر المكتوبة ... داخلاً في «دين الله» مهما تكن دينونته بالطاعة والخضوع وإقراره بالحاكمية لغير الله من الأرباب المتفرقة في

نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 4  صفحه : 2020
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست