نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 4 صفحه : 2017
ثم أخذوا يحرجونه بالتلويح له بمصلحة أهلهم الحيوية في الحصول على الطعام:
«ونمير أهلنا» ..
والميرة الزاد، ويؤكدون له عزمهم على حفظ أخيهم..
«ونحفظ أخانا» ..
ويرغبونه بزيادة الكيل لأخيهم:
«ونزداد كيل بعير» ..
وهو ميسور لهم حين يرافقهم:
«ذلك كيل يسير» ..
ويبدو من قولهم: «ونزداد كيل بعير» أن يوسف- عليه السلام- كان يعطي كل واحد وسق بعير- وهو قدر معروف- ولم يكن يبيع كل مشتر ما يريد. وكان ذلك من الحكمة في سنوات الجدب، كي يظل هناك قوت للجميع:
واستسلم الرجل على كره ولكنه جعل لتسليم ابنه الباقي شرطاً:
«قال: لن أرسله معكم حتى تؤتون موثقاً من الله: لتأتنني به إلا أن يحاط بكم» ..
أي لتقسمن لي بالله قسماً يربطكم، أن تردوا عليّ ولدي، إلا إذا غلبتم على أمركم غلباً لا حيلة لكم فيه، ولا تجدي مدافعتكم عنه:
«إلا أن يحاط بكم» ..
وهو كناية عن أخذ المسالك كلها عليهم. فأقسموا:
«فلما آتوه موثقهم قال: الله على ما نقول وكيل» ..
زيادة في التوكيد والتذكير.
وبعد هذا الموثق جعل الرجل يوصيهم بما خطر له في رحلتهم القادمة ومعهم الصغير العزيز:
«وقال: يا بني لا تدخلوا من باب واحد وادخلوا من أبواب متفرقة. وما أغني عنكم من الله من شيء.
إن الحكم إلا لله، عليه توكلت، وعليه فليتوكل المتوكلون» ..
ونقف هنا أمام قول يعقوب- عليه السلام-:
«إن الحكم إلا لله» ..
وواضح من سياق القول أنه يعني هنا حكم الله القدري القهري الذي لا مفر منه ولا فكاك. وقضاءه الإلهي الذي يجري به قدره فلا يملك الناس فيه لأنفسهم شيئاً.
وهذا هو الإيمان بالقدر خيره وشره.
وحكم الله القدري يمضي في الناس على غير إرادة منهم ولا اختيار.. وإلى جانبه حكم الله الذي ينفذه الناس عن رضى منهم واختيار. وهو الحكم الشرعي المتمثل في الأوامر والنواهي.. وهذا كذلك لا يكون إلا لله. شأنه شأن حكمه القدري، باختلاف واحد: هو أن الناس ينفذونه مختارين أو لا ينفذونه. فيترتب
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 4 صفحه : 2017