نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 4 صفحه : 2016
«قالوا: سنراود عنه أباه وإنا لفاعلون» ..
ولفظ «نراود» يصور الجهد الذي يعلمون أنهم باذلوه..
أما يوسف فقد أمر غلمانه أن يدسوا البضاعة التي حضر بها إخوته ليستبدلوا بها القمح والعلف. وقد تكون خليطاً من نقد ومن غلات صحراوية أخرى من غلات الشجر الصحراوي، ومن الجلود والشعر وسواها مما كان يستخدم في التبادل في الأسواق.. أمر غلمانه بدسها في رحالهم- والرحل متاع المسافر- لعلهم يعرفون حين يرجعون أنها بضاعتهم التي جاءوا بها:
«وقال لفتيانه: اجعلوا بضاعتهم في رحالهم لعلهم يعرفونها إذا انقلبوا إلى أهلهم لعلهم يرجعون» ..
وندع يوسف في مصر. لنشهد يعقوب وبنيه في أرض كنعان. دون كلمة واحدة عن الطريق وما فيه:
«فلما رجعوا إلى أبيهم قالوا: يا أبانا منع منا الكيل، فأرسل معنا أخانا نكتل، وإنّا له لحافظون. قال:
هل آمنكم عليه إلا كما أمنتكم على أخيه من قبل؟ فالله خير حافظاً وهو أرحم الراحمين. ولما فتحوا متاعهم وجدوا بضاعتهم ردت إليهم، قالوا: يا أبانا ما نبغي. هذه بضاعتنا ردت إلينا، ونمير أهلنا، ونحفظ أخانا ونزداد كيل بعير. ذلك كيل يسير. قال: لن أرسله معكم حتى تؤتون موثقاً من الله: لتأتنني به- إلا أن يحاط بكم- فلما آتوه موثقهم قال: الله على ما نقول وكيل» ..
ويبدو أنهم في دخلتهم على أبيهم، وقبل أن يفكوا متاعهم، عاجلوه بأن الكيل قد تقرر منعه عنهم ما لم يأتوا عزيز مصر بأخيهم الصغير معهم. فهم يطلبون إليه أن يرسل معهم أخاهم الصغير ليكتالوا له ولهم. وهم يعدون بحفظه:
«فلما رجعوا إلى أبيهم قالوا: يا أبانا منع منا الكيل، فأرسل معنا أخانا نكتل، وإنّا له لحافظون» ..
ولا بد أن هذا الوعد قد أثار كوامن يعقوب. فهو ذاته وعدهم له في يوسف! فإذا هو يجهر بما أثاره الوعد من شجونه:
«قال: هل آمنكم عليه إلا كما أمنتكم على أخيه من قبل!» ..
فخلوني من وعودكم وخلوني من حفظكم، فإذا أنا طلبت الحفظ لولدي والرحمة بي..
«فَاللَّهُ خَيْرٌ حافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ» ! وبعد الاستقرار من المشوار، والراحة من السفر فتحوا أوعيتهم ليخرجوا ما فيها من غلال فإذا هم يجدون فيها بضاعتهم التي ذهبوا يشترون بها، ولم يجدوا في رحالهم غلالاً! إن يوسف لم يعطهم قمحاً، إنما وضع لهم بضاعتهم في رحالهم. فلما عادوا قالوا: يا أبانا منع منا الكيل، وفتحوا رحالهم فوجدوا بضاعتهم. وكان ذلك ليضطرهم إلى العودة بأخيهم، وكان هذا بعض الدرس الذي عليهم أن يأخذوه.
على أية حال لقد اتخذوا من رد بضاعتهم إليهم دليلاً على أنهم غير باغين فيما يطلبون من استصحاب أخيهم ولا ظالمين:
«قالوا: يا أبانا ما نبغي. هذه بضاعتنا ردت إلينا» ..
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 4 صفحه : 2016