نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 4 صفحه : 2015
كذلك لم يبرز السياق الملك ولا أحداً من رجاله بعد ذلك في السورة كلها. كأن الأمر كله قد صار ليوسف. الذي اضطلع بالعبء في الأزمة الخانقة الرهيبة. وأبرز يوسف وحده على مسرح الحوادث، وسلط عليه كل الأضواء. وهذه حقيقة واقعية استخدمها السياق استخداماً فنياً كاملاً في الأداء.
أما فعل الجدب فقد أبرزه السياق في مشهد إخوة يوسف، يجيئون من البدو من أرض كنعان البعيدة يبحثون عن الطعام في مصر. ومن ذلك ندرك اتساع دائرة المجاعة، كما ندرك كيف وقفت مصر- بتدبير يوسف- منها، وكيف صارت محط أنظار جيرانها ومخزن الطعام في المنطقة كلها. وفي الوقت ذاته تمضي قصة يوسف في مجراها الأكبر بين يوسف وإخوته وهي سمة فنية تحقق هدفاً دينياً في السياق:
«وجاء إخوة يوسف، فدخلوا عليه، فعرفهم وهم له منكرون. ولما جهزهم بجهازهم قال: ائتوني بأخ لكم من أبيكم. ألا ترون أني أو في الكيل وأنا خير المنزلين؟ فإن لم تأتوني به فلا كيل لكم عندي ولا تقربون.
قالوا: سنراود عنه أباه وإناه لفاعلون. وقال لفتيانه: اجعلوا بضاعتهم في رحالهم، لعلهم يعرفونها إذا انقلبوا إلى أهلهم لعلهم يرجعون» ..
لقد اجتاح الجدب والمجاعة أرض كنعان وما حولها. فاتجه إخوة يوسف- فيمن يتجهون- إلى مصر.
وقد تسامع الناس بما فيها من فائض الغلة منذ السنوات السمان. وها نحن أولاء نشهدهم يدخلون على يوسف، وهم لا يعلمون. إنه يعرفهم فهم هم لم يتغيروا كثيراً. أما يوسف فإن خيالهم لا يتصور قط أنه هو ذاك! وأين الغلام العبراني الصغير الذي ألقوه في الجب منذ عشرين عاماً أو تزيد [1] من عزيز مصر شبه المتوج في سنه وزيه وحرسه ومهابته وخدمه وحشمه وهيله وهيلمانه؟
ولم يكشف لهم يوسف عن نفسه. فلا بد من دروس يتلقونها:
«فدخلوا عليه فعرفهم وهم له منكرون» ..
ولكنا ندرك من السياق أنه أنزلهم منزلاً طيباً، ثم أخذ في إعداد الدرس الأول:
«ولما جهزهم بجهازهم قال: ائتوني بأخ لكم من أبيكم» ..
فنفهم من هذا أنه تركهم يأنسون إليه، واستدرجهم حتى ذكروا له من هم على وجه التفصيل، وأن لهم أخاً أصغر من أبيهم لم يحضر معهم لأن أباه يحبه ولا يطيق فراقه. فلما جهزهم بحاجات الرحلة قال لهم:
إنه يريد أن يرى أخاهم هذا.
«قال: ائتوني بأخ لكم من أبيكم» ..
وقد رأيتم أنني أو في الكيل للمشترين. فسأوفيكم نصيبكم حين يجيء معكم ورأيتم أنني أكرم النزلاء فلا خوف عليه بل سيلقى مني الإكرام المعهود:
«ألا ترون أني أو في الكيل وأنا خير المنزلين؟» ..
ولما كانوا يعلمون كيف يضن أبوهم بأخيهم الأصغر- وبخاصة بعد ذهاب يوسف- فقد أظهروا أن الأمر ليس ميسوراً، وإنما في طريقه عقبات من ممانعة أبيهم، وأنهم سيحاولون إقناعه، مع توكيد عزمهم- على الرغم من هذه العقبات- على إحضاره معهم حين يعودون: [1] وهو المتوقع بعد سنوات الإقامة في بيت العزيز وبضع سنين في السجن وسبع سنوات رخاء وبعض سني الجدب حتى جاءوا.
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 4 صفحه : 2015