نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 4 صفحه : 2014
ثم نعود بعد هذا الاستطراد إلى صلب القصة وإلى صلب السياق. إن السياق لا يثبت أن الملك وافق.
فكأنما يقول: إن الطلب تضمن الموافقة! زيادة في تكريم يوسف، وإظهار مكانته عند الملك. فيكفي أن يقول ليجاب، بل ليكون قوله هو الجواب.. ومن ثم يحذف رد الملك، ويدع القارئ يفهم أنه أصبح في المكان الذي طلبه.
ويؤيد هذا الذي نقوله تعقيب السياق:
«وَكَذلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْها حَيْثُ يَشاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنا مَنْ نَشاءُ. وَلا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ.. وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ» ..
فعلى هذا النحو من إظهار براءة يوسف، ومن إعجاب الملك به، ومن الاستجابة له فيما طلب.. على هذا النحو مكنا ليوسف في الأرض، وثبتنا قدميه، وجعلنا له فيها مكاناً ملحوظاً. والأرض هي مصر.
أو هي هذه الأرض كلها باعتبار أن مصر يومذاك أعظم ممالكها.
«يتبوأ منها حيث يشاء» ..
يتخذ منها المنزل الذي يريد، والمكان الذي يريد، والمكانة التي يريد. في مقابل الجب وما فيه من مخاوف، والسجن وما فيه من قيود.
«نصيب برحمتنا من نشاء» ..
فنبدله من العسر يسراً، ومن الضيق فرجاً، ومن الخوف أمناً، ومن القيد حرية، ومن الهوان على الناس عزاً ومقاماً علياً.
«ولا نضيع أجر المحسنين» ..
الذين يحسنون الإيمان بالله، والتوكل عليه، والاتجاه إليه، ويحسنون السلوك والعمل والتصرف مع الناس.. هذا في الدنيا..
«وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ» ..
فلا ينقص منه المتاع في الدنيا وإن كان خيراً من متاع الدنيا، متى آمن الإنسان واتقى. فاطمأن بإيمانه إلى ربه، وراقبه بتقواه في سره وجهره.
وهكذا عوض الله يوسف عن المحنة، تلك المكانة في الأرض، وهذه البشرى في الآخرة جزاء وفاقاً على الإيمان والصبر والإحسان.
ودارت عجلة الزمن. وطوى السياق دوراتها بما كان فيها طوال سنوات الرخاء. فلم يذكر كيف كان الخصب، وكيف زرع الناس. وكيف أدار يوسف جهاز الدولة. وكيف نظم ودبر وادخر. كأن هذه كلها أمور مقررة بقوله:
«إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ» ..
وكذلك لم يذكر مقدم سني الجدب، وكيف تلقاها الناس، وكيف ضاعت الأرزاق.. لأن هذا كله ملحوظ في رؤيا الملك وتأويلها:
«ثم يأتي من بعد ذلك سبع شداد يأكلن ما قدمتم لهن إلا قليلا مما تحصنون» ..
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 4 صفحه : 2014