responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 4  صفحه : 1983
له حتى الباب، وهي كاذبة وهو صادق.. وقدم الفرض الأول لأنه إن صح يقتضي صدقها وكذبه، فهي السيدة وهذا فتى، فمن باب اللياقة أن يذكر الفرض الأول! والأمر لا يخرج عن أن يكون قرينة.
«فَلَمَّا رَأى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ» ..
تبين له حسب الشهادة المبنية على منطق الواقع أنها هي التي راودت، وهي التي دبرت الاتهام.. وهنا تبدو لنا صورة من «الطبقة الراقية» في الجاهلية قبل آلاف السنين وكأنها هي هي اليوم شاخصة. رخاوة في مواجهة الفضائح الجنسية وميل إلى كتمانها عن المجتمع، وهذا هو المهم كله:
«قالَ: إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ. يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هذا، وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخاطِئِينَ» ! هكذا. إنه من كيدكن إن كيدكن عظيم.. فهي اللباقة في مواجهة الحادث الذي يثير الدم في العروق.
والتلطف في مجابهة السيدة بنسبة الأمر إلى الجنس كله، فيما يشبه الثناء. فإنه لا يسوء المرأة أن يقال لها: إن كيدكن عظيم! فهو دلالة في حسها على أنها أنثى كاملة مستوفية لمقدرة الأنثى على الكيد العظيم! والتفاتة إلى يوسف البريء:
«يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هذا» ..
فأهملْه ولا تُعِرْه اهتماماً ولا تتحدث به.. وهذا هو المهم.. محافظة على الظواهر! وعظة إلى المرأة التي راودت فتاها عن نفسه، وضبطت متلبسة بمساورته وتمزيق قميصه:
«وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ. إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخاطِئِينَ» ..
إنها الطبقة الأرستقراطية، من رجال الحاشية، في كل جاهلية. قريب من قريب! ويسدل الستار على المشهد وما فيه.. وقد صور السياق تلك اللحظة بكل ملابساتها وانفعالاتها ولكن دون أن ينشىء منها معرضاً للنزوة الحيوانية الجاهرة، ولا مستنقعاً للوحل الجنسي المقبوح! ولم يحل السيد بين المرأة وفتاها. ومضت الأمور في طريقها. فهكذا تمضي الأمور في القصور! ولكن للقصور جدراناً، وفيها خدم وحشم. وما يجري في القصور لا يمكن أن يظل مستوراً. وبخاصة في الوسط الأرستقراطي، الذي ليس لنسائه من هم إلا الحديث عما يجري في محيطهن. وإلا تداول هذه الفضائح ولوكها على الألسن في المجالس والسهرات والزيارات:
«وَقالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ: امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُراوِدُ فَتاها عَنْ نَفْسِهِ. قَدْ شَغَفَها حُبًّا. إِنَّا لَنَراها فِي ضَلالٍ مُبِينٍ» ..
وهو كلام أشبه بما تقوله النسوة في كل بيئة جاهلية عن مثل هذه الشؤون. ولأول مرة نعرف أن المرأة هي امرأة العزيز، وأن الرجل الذي اشتراه من مصر هو عزيز مصر- أي كبير وزرائها- ليعلن هذا مع إعلان الفضيحة العامة بانتشار الخبر في المدينة:
«امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُراوِدُ فَتاها عَنْ نَفْسِهِ» ..
ثم بيان لحالها معه:
«قَدْ شَغَفَها حُبًّا» ..

نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 4  صفحه : 1983
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست