نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 4 صفحه : 1982
اللحظات. فلما أن رأى برهان ربه الذي نبض في ضميره وقلبه، بعد لحظة الضعف الطارئة، عاد إلى الاعتصام والتأبي [1] .
«كَذلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشاءَ، إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُخْلَصِينَ» ..
«وَاسْتَبَقَا الْبابَ» ..
فهو قد آثر التخلص بعد أن استفاق.. وهي عدت خلفه لتمسك به، وهي ما تزال في هياجها الحيواني.
«وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ» ..
نتيجة جذبها له لترده عن الباب..
وتقع المفاجأة:
«وَأَلْفَيا سَيِّدَها لَدَى الْبابِ» ..
وهنا تتبدى المرأة المكتملة، فتجد الجواب حاضراً على السؤال الذي يهتف به المنظر المريب. إنها تتهم الفتى:
«قالَتْ: ما جَزاءُ مَنْ أَرادَ بِأَهْلِكَ سُوءاً؟» ..
ولكنها امرأة تعشق، فهي تخشى عليه، فتشير بالعقاب المأمون.
«إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذابٌ أَلِيمٌ» ! ويجهر يوسف بالحقيقة في وجه الاتهام الباطل:
«قالَ: هِيَ راوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي» ! وهنا يذكر السياق أن أحد أهلها حسم بشهادته في هذا النزاع:
«وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ أَهْلِها: إِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكاذِبِينَ، وَإِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ» ..
فأين ومتى أدلى هذا الشاهد بشهادته هذه؟ هل كان مع زوجها (سيدها بتعبير أهل مصر) وشهد الواقعة؟
أم أن زوجها استدعاه وعرض عليه الأمر، كما يقع في مثل هذه الأحوال أن يستدعي الرجل كبيراً من أسرة المرأة ويطلعه على ما رأى، وبخاصة تلك الطبقة الباردة الدم المائعة القيم! هذا وذلك جائز. وهو لا يغير من الأمر شيئاً. وقد سمي قوله هذا شهادة، لأنه لما سئل رأيه في الموقف والنزاع المعروض من الجانبين- ولكل منها ومن يوسف قول- سميت فتواه هذه شهادة، لأنها تساعد على تحقيق النزاع والوصول إلى الحق فيه.. فإن كان قميصه قد من قبل فذلك إذن من أثر مدافعتها له وهو يريد الاعتداء عليها فهي صادقة وهو كاذب. وإن كان قميصه قد من دبر فهو إذن من أثر تملصه منها وتعقبها هي [1] قال الزمخشري في الكشاف: «فإن قلت: كيف جاز على نبي الله أن يكون منه هم بالمعصية وقصد إليها قلت: المراد أن نفسه مالت إلى المخالطة، ونازعت إليها عن شهوة الشباب وقرمه ميلا يشبه الهم به والقصد إليه، وكما تقتضيه صورة تلك الحال التي تكاد تذهب بالعقول والعزائم، وهو يكسر ما به ويرده بالنظر في برهان الله المأخوذ على المكلفين من وجوب اجتناب المحارم. ولو لم يكن ذلك الميل الشديد المسمى هما لشدته لما كان صاحبه ممدوحا عند الله بالامتناع، لأن استعظام الصبر على الابتلاء على حسب عظم الابتلاء وشدته» .. انتهى. وهو تعليل صحيح في جملته بغض النظر عن الإشارة الاعتزالية في قول الزمخشري: «ويرده بالنظر في برهان الله المأخوذ على المكلفين من وجوب اجتناب المحارم» . فهو إشارة منه إلى مذهب المعتزلة في أن البرهان عقلي. والبرهان الذي أخذه الله على المكلفين هو ما قرره في شريعته..
ولكن هذا خلاف مذهبي تاريخي لا شأن لنا به. فهو بجملته غريب على التصور الإسلامي!
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 4 صفحه : 1982