نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 4 صفحه : 1984
فهي مفتونة به، بلغ حبه شفاف قلبها ومزقه، وشغاف القلب غشاؤه الرقيق:
«إِنَّا لَنَراها فِي ضَلالٍ مُبِينٍ» ..
وهي السيدة الكبيرة زوجة الكبير، تفتتن بفتاها العبراني المشترى. أم لعلهن يتحدثن عن اشتهارها بهذه الفتنة وانكشافها وظهور أمرها، وهو وحده المنتقد في عرف هذه الأوساط لا الفعلة في ذاتها لو ظلت وراء الأستار؟! وهنا كذلك يقع ما لا يمكن وقوعه إلا في مثل هذه الأوساط. ويكشف السياق عن مشهد من صنع تلك المرأة الجريئة، التي تعرف كيف تواجه نساء طبقتها بمكر كمكرهن وكيد من كيدهن:
«فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ، وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً، وَآتَتْ كُلَّ واحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّيناً، وَقالَتِ: اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ. فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ، وَقُلْنَ: حاشَ لِلَّهِ! ما هذا بَشَراً. إِنْ هذا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ. قالَتْ: فَذلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ. وَلَقَدْ راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ. وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ ما آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُوناً مِنَ الصَّاغِرِينَ» ..
لقد أقامت لهن مأدبة في قصرها. وندرك من هذا أنهن كن من نساء الطبقة الراقية. فهن اللواتي يدعين إلى المآدب في القصور. وهن اللواتي يؤخذن بهذه الوسائل الناعمة المظهر. ويبدو أنهن كن يأكلن وهن متكئات على الوسائد والحشايا على عادة الشرق في ذلك الزمان. فأعدت لهن هذا المتكأ. وآتت كل واحدة منهن سكيناً تستعملها في الطعام- ويؤخذ من هذا أن الحضارة المادية في مصر كانت قد بلغت شأواً بعيداً، وأن الترف في القصور كان عظيماً. فإن استعمال السكاكين في الأكل قبل هذه الآلاف من السنين له قيمته في تصوير الترف والحضارة المادية. وبينما هن منشغلات بتقطيع اللحم أو تقشير الفاكهة، فاجأتهن بيوسف:
«وَقالَتِ: اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ» ..
«فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ» ..
بهتن لطلعته، ودهشن.
«وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ» ..
وجرحن أيديهن بالسكاكين للدهشة المفاجئة.
«وَقُلْنَ حاشَ لِلَّهِ!» ..
وهي كلمة تنزيه تقال في هذا الموضع تعبيراً عن الدهشة بصنع الله..
«ما هذا بَشَراً إِنْ هذا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ» [1] .
وهذه التعبيرات دليل- كما قلنا في تقديم السورة- على تسرب شيء من ديانات التوحيد في ذلك الزمان. [1] أتعب الرواة والمفسرون أنفسهم في وصف حسن يوسف الذي بهر النسوة وبهر امرأة العزيز. وتصور بعضهم أوصافا أقرب ما تكون إلى أوصاف النساء. وما بمثل هذه الأوصاف تبهر النساء! وإن للرجولة لجمالها الخاص في اكتمال الملامح الرجولية. وإن كان هناك احتمال آخر وهو أن نساء تلك الطبقة كثيرا ما تنحرف فطرتهن فتعجبهن في الرجل ملامح وتقاطيع مما يحسب جميلا في النساء. ويغفلن عن غيرها مما يوجد في الرجل من سمات الرجال!
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 4 صفحه : 1984