نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 4 صفحه : 1979
وها هو ذا يوسف أراد له إخوته أمراً، وأراد له الله أمراً، ولما كان الله غالباً على أمره ومسيطراً فقد نفذ أمره، أما إخوة يوسف فلا يملكون أمرهم فأفلت من أيديهم وخرج على ما أرادوا:
«وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ» ..
لا يعلمون أن سنة الله ماضية وأن أمره هو الذي يكون.
ويمضي السياق ليقرر أن ما شاء الله ليوسف، وقال عنه:
«وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ» ..
قد تحقق حين بلغ أشده:
«وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً. وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ» ..
فقد أوتي صحة الحكم على الأمور، وأوتي علماً بمصائر الأحاديث أو بتأويل الرؤيا، أو بما هو أعم، من العلم بالحياة وأحوالها، فاللفظ عام ويشمل الكثير. وكان ذلك جزاء إحسانه. إحسانه في الاعتقاد وإحسانه في السلوك:
«وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ» ..
وعندئذ تجيئه المحنة الثانية في حياته، وهي أشد وأعمق من المحنة الأولى. تجيئه وقد أوتي صحة الحكم وأوتي العلم- رحمة من الله- ليواجهها وينجو منها جزاء إحسانه الذي سجله الله له في قرآنه.
والآن نشهد ذلك المشهد العاصف الخطير المثير كما يرسمه التعبير:
«وَراوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِها عَنْ نَفْسِهِ، وَغَلَّقَتِ الْأَبْوابَ وَقالَتْ: هَيْتَ لَكَ! قالَ: مَعاذَ اللَّهِ. إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوايَ. إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ- وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِها لَوْلا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ. كَذلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشاءَ. إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُخْلَصِينَ- وَاسْتَبَقَا الْبابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ، وَأَلْفَيا سَيِّدَها لَدَى الْبابِ. قالَتْ: ما جَزاءُ مَنْ أَرادَ بِأَهْلِكَ سُوءاً؟ إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذابٌ أَلِيمٌ. قالَ: هِيَ راوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي. وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ أَهْلِها. إِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكاذِبِينَ وَإِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ. فَلَمَّا رَأى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قالَ: إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ. إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ. يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هذا، وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ، إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخاطِئِينَ» ..
إن السياق لم يذكر كم كانت سنها وكم كانت سنه فلننظر في هذا الأمر من باب التقدير.
لقد كان يوسف غلاما عند ما التقطته السيارة وباعته في مصر. أي إنه كان حوالي الرابعة عشرة تنقص ولا تزيد. فهذه هي السن التي يطلق فيها لفظ الغلام، وبعدها يسمى فتى فشاباً فرجلاً ... وهي السن التي يجوز فيها أن يقول يعقوب: «وَأَخافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ» .. وفي هذا الوقت كانت هي زوجة، وكانت وزوجها لم يرزقا أولاداً كما يبدو من قوله: «أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً» .. فهذا الخاطر.. خاطر التبني.. لا يرد على النفس عادة إلا حين لا يكون هناك ولد ويكون هناك يأس أو شبه يأس من الولد. فلا بد أن تكون قد مضت على زواجهما فترة، يعلمان فيها أن لا ولد لهما. وعلى كل حال فالمتوقع عن رئيس وزراء مصر ألا تقل سنه عن أربعين سنة، وأن تكون سن زوجه حينئذ حوالي الثلاثين.
ونتوقع كذلك أن تكون سنها أربعين سنة عند ما يكون يوسف في الخامسة والعشرين أو حواليها. وهي
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 4 صفحه : 1979