نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 4 صفحه : 1980
السن التي نرجح أن الحادثة وقعت فيها.. نرجحه لأن تصرف المرأة في الحادثة وما بعدها يشير إلى أنها كانت مكتملة جريئة، مالكة لكيدها، متهالكة كذلك على فتاها. ونرجحه من كلمة النسوة فيما بعد.. «امرأة العزيز تراود فتاها عن نفسه» .. وإن كانت كلمة فتى تقال بمعنى عبد، ولكنها لا تقال إلا ولها حقيقة من مدلولها من سن يوسف. وهو ما ترجحه شواهد الحال.
نبحث هذا البحث، لنصل منه إلى نتيجة معينة. لنقول: إن التجربة التي مر بها يوسف- أو المحنة- لم تكن فقط في مواجهة المراودة في هذا المشهد الذي يصوره السياق. إنما كانت في حياة يوسف فترة مراهقته كلها في جو هذا القصر، مع هذه المرأة بين سن الثلاثين وسن الأربعين، مع جو القصور، وجو البيئة التي يصورها قول الزوج أمام الحالة التي وجد فيها امرأته مع يوسف:
«يوسف أعرض عن هذا واستغفري لذنبك إنك كنت من الخاطئين» .
وكفى..!
والتي يتحدث فيها النسوة عن امرأة العزيز، فيكون جوابها عليهن، مأدبة يخرج عليهن يوسف فيها، فيفتتن به، ويصرحن، فتصرح المرأة:
«وَلَقَدْ راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ ما آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُوناً مِنَ الصَّاغِرِينَ» ..
فهذه البيئة التي تسمح بهذا وذلك بيئة خاصة. هي بيئة الطبقة المترفة دائماً. ويوسف كان فيها مولى وتربى فيها في سن الفتنة.. فهذه هي المحنة الطويلة التي مر بها يوسف، وصمد لها، ونجا منها ومن تأثيراتها ومغرياتها وميوعتها ووسائلها الخبيثة. ولسنه وسن المرأة التي يعيش معها تحت سقف واحد كل هذه المدة قيمة في تقدير مدى الفتنة وخطورة المحنة والصمود لها هذا الأمد الطويل. أما هذه المرة فلو كانت وحدها وكانت مفاجأة بلا تمهيد من إغراء طويل، لما كان عسيراً أن يصمد لها يوسف، وبخاصة أنه هو مطلوب فيها لا طالب.
وتهالك المرأة قد يصد من نفس الرجل. وهي كانت متهالكة.
والآن نواجه النصوص:
«وَراوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِها عَنْ نَفْسِهِ، وَغَلَّقَتِ الْأَبْوابَ، وَقالَتْ: هَيْتَ لَكَ!» ..
وإذن فقد كانت المراودة في هذه المرة مكشوفة، وكانت الدعوة فيها سافرة إلى الفعل الأخير.. وحركة تغليق الأبواب لا تكون إلا في اللحظة الأخيرة، وقد وصلت المرأة إلى اللحظة الحاسمة التي تهتاج فيها دفعة الجسد الغليظة، ونداء الجسد الأخير:
«وَقالَتْ: هَيْتَ لَكَ!» .
هذه الدعوة السافرة الجاهرة الغليظة لا تكون أول دعوة من المرأة. إنما تكون هي الدعوة الأخيرة.
وقد لا تكون أبداً إذا لم تضطر إليها المرأة اضطراراً. والفتى يعيش معها وقوته وفتوته تتكامل، وأنوثتها هي كذلك تكمل وتنضج، فلا بد كانت هناك إغراءات شتى خفيفة لطيفة، قبل هذه المفاجأة الغليظة العنيفة.
«قالَ: مَعاذَ اللَّهِ. إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوايَ. إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ» ..
«مَعاذَ اللَّهِ» ..
أعيذ نفسي بالله أن أفعل.
«إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوايَ» ..
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 4 صفحه : 1980