نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 4 صفحه : 1973
«لقد كان في يوسف وإخوته آيات للسائلين. إذ قالوا: ليوسف وأخوه أحب إلى أبينا منا ونحن عصبة.
إن أبانا لفي ضلال مبين. اقتلوا يوسف أو اطرحوه أرضاً يخل لكم وجه أبيكم وتكونوا من بعده قوماً صالحين.
قال قائل منهم: لا تقتلوا يوسف وألقوه في غيابة الجب يلتقطه بعض السيارة إن كنتم فاعلين» ..
لقد كان في قصة يوسف وإخوته آيات وأمارات على حقائق كثيرة لمن ينقب عن الآيات ويسأل ويهتم.
وهذا الافتتاح كفيل بتحريك الانتباه والاهتمام. لذلك نشبهه بحركة رفع الستار عما يدور وراءه من أحداث وحركات. فنحن نرى وراءه مباشرة مشهد إخوة يوسف يدبرون ليوسف ما يدبرون.
ترى حدثهم يوسف عن رؤياه كما يقول كتاب «العهد القديم» ؟ إن السياق هنا يفيد أن لا. فهم يتحدثون عن إيثار يعقوب ليوسف وأخيه عليهم. أخيه الشقيق. ولو كانوا قد علموا برؤياه لجاء ذكرها على ألسنتهم، ولكانت أدعى إلى أن تلهج ألسنتهم بالحقد عليه. فما خافه يعقوب على يوسف لو قص رؤياه على إخوته قد تم عن طريق آخر، وهو حقدهم عليه لإيثار أبيهم له. ولم يكن بد أن يتم لأنه حلقة في سلسلة الرواية الكبرى المرسومة، لتصل بيوسف إلى النهاية المرسومة، والتي تمهد لها ظروف حياته، وواقع أسرته، ومجيئه لأبيه على كبرة. وأصغر الأبناء هم أحب الأبناء، وبخاصة حين يكون الوالد في سن الكبر. كما كان الحال مع يوسف وأخيه، وإخوته من أمهات.
«إِذْ قالُوا: لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلى أَبِينا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ» ..
أي ونحن مجموعة قوية تدفع وتنفع..
«إِنَّ أَبانا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ» ..
إذ يؤثر غلاماً وصبياً صغيرين على مجموعة الرجال النافعين الدافعين! ثم يغلي الحقد ويدخل الشيطان، فيختل تقديرهم للوقائع، وتتضخم في حسهم أشياء صغيرة، وتهون أحداث ضخام. تهون الفعلة الشنعاء المتمثلة في إزهاق روح. روح غلام بريء لا يملك دفعاً عن نفسه، وهو لهم أخ. وهم أبناء نبي- وإن لم يكونوا هم أنبياء- يهون هذا. وتضخم في أعينهم حكاية إيثار أبيهم له بالحب. حتى توازي القتل. أكبر جرائم الأرض قاطبة بعد الشرك بالله:
«اقْتُلُوا يُوسُفَ. أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضاً» ..
وهما قريب من قريب. فطرحه في أرض نائية مقطوعة مفض في الغالب إلى الموت.. ولماذا؟
«يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ» ..
فلا يحجبه يوسف. وهم يريدون قلبه. كأنه حين لا يراه في وجهه يصبح قلبه خالياً من حبه، ويتوجه بهذا الحب إلى الآخرين! والجريمة؟ الجريمة تتوبون عنها وتصلحون ما أفسدتم بارتكابها:
«وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْماً صالِحِينَ» ! ..
هكذا ينزغ الشيطان، وهكذا يسول للنفوس عند ما تغضب وتفقد زمامها، وتفقد صحة تقديرها للأشياء والأحداث. وهكذا لما غلا في صدورهم الحقد برز الشيطان ليقول لهم: اقتلوا.. والتوبة بعد ذلك تصلح ما فات! وليست التوبة هكذا. إنما تكون التوبة من الخطيئة التي يندفع إليها المرء غافلاً جاهلاً غير ذاكر حتى إذا تذكر ندم، وجاشت نفسه بالتوبة. أما التوبة الجاهزة! التوبة التي تعد سلفاً قبل ارتكاب الجريمة لإزالة معالم الجريمة، فليست بالتوبة، إنما هي تبرير لارتكاب الجريمة يزينه الشيطان!
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 4 صفحه : 1973