نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 4 صفحه : 1974
ولكن ضميراً واحداً فيهم، يرتعش لهول ما هم مقدمون عليه. فيقترح حلاً يريحهم من يوسف، ويخلي لهم وجه أبيهم، ولكنه لا يقتل يوسف، ولا يلقيه في أرض مهجورة يغلب فيها الهلاك. إنما يلقيه في الجب على طريق القوافل، حيث يرجح أن تعثر عليه إحدى القوافل فتنقذه وتذهب به بعيداً:
«قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ: لا تَقْتُلُوا يُوسُفَ، وَأَلْقُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِّ، يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ. إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ» ..
ونحسن من قوله:
«إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ» ..
روح التشكيك والتثبيط. كأنه يشككهم في أنهم مصرون على إيقاع الأذى بيوسف. وهو أسلوب من أساليب التثبيط عن الفعل، واضح فيه عدم الارتياح للتنفيذ. ولكن هذا كان أقل ما يشفي حقدهم ولم يكونوا على استعداد للتراجع فيما اعتزموه.. نفهم هذا من المشهد التالي في السياق..
فها هم أولاء عند أبيهم، يراودونه في اصطحاب يوسف معهم منذ الغداة. وهاهم أولاء يخادعون أباهم، ويمكرون به وبيوسف. فلنشهد ولنستمع لما يدور:
«قالُوا: يا أَبانا ما لَكَ لا تَأْمَنَّا عَلى يُوسُفَ؟ وَإِنَّا لَهُ لَناصِحُونَ أَرْسِلْهُ مَعَنا غَداً يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ، وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ. قالَ: إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ، وَأَخافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غافِلُونَ. قالُوا: لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذاً لَخاسِرُونَ» ..
والتعبير يرسم بكلماته وعباراته كل ما بذلوه ليتدسسوا به إلى قلب الوالد المتعلق بولده الصغير الحبيب، الذي يتوسم فيه أن يكون الوارث لبركات أبيه إبراهيم..
«يا أَبانا» ..
بهذا اللفظ الموحي المذكر بما بينه وبينهم من آصرة.
«مالك لا تأمنا على يوسف؟» ..
سؤال فيه عتب وفيه استنكار خفي، وفيه استجاشة لنفي مدلوله من أبيهم، والتسليم لهم بعكسه وهو تسليمهم يوسف. فهو كان يستبقي يوسف معه ولا يرسله مع إخوته إلى المراعي والجهات الخلوية التي يرتادونها لأنه يحبه ويخشى عليه ألا يحتمل الجو والجهد الذي يحتملونه وهم كبار، لا لأنه لا يأمنهم عليه. فمبادرتهم له بأنه لا يأتمنهم على أخيهم وهو أبوهم، مقصود بها استجاشته لنفي هذا الخاطر ومن ثم يفقد إصراره على احتجاز يوسف. فهي مبادرة ماكرة منهم خبيثة! «ما لَكَ لا تَأْمَنَّا عَلى يُوسُفَ؟ وَإِنَّا لَهُ لَناصِحُونَ» ..
قلوبنا له صافية لا يخالطها سوء- وكاد المريب أن يقول خذوني- فذكر النصح هنا وهو الصفاء والإخلاص يشي بما كانوا يحاولون إخفاءه من الدغل المريب..
«أَرْسِلْهُ مَعَنا غَداً يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ» ..
زيادة في التوكيد، وتصويراً لما ينتظر يوسف من النشاط والمسرة والرياضة، مما ينشط والده لإرساله معهم كما يريدون.
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 4 صفحه : 1974