نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 4 صفحه : 1972
مناسباً لهذا في جو الحكمة والتعليم؟ أم قصد بالأحاديث الرؤى والأحلام كما وقع بالفعل في حياة يوسف فيما بعد؟
كلاهما جائز، وكلاهما يتمشى مع الجو المحيط بيوسف ويعقوب.
وبهذه المناسبة نذكر كلمة عن الرؤى والأحلام وهي موضوع هذه القصة وهذه السورة.
إننا ملزمون بالاعتقاد بأن بعض الرؤى تحمل نبوءات عن المستقبل القريب أو البعيد. ملزمون بهذا أولاً من ناحية ما ورد في هذه السورة من وقوع مصداق رؤيا يوسف، ورؤيا صاحبيه في السجن، ورؤيا الملك في مصر. وثانياً من ناحية ما نراه في حياتنا الشخصية من تحقق رؤى تنبؤية في حالات متكررة بشكل يصعب نفي وجوده.. لأنه موجود بالفعل! ..
والسبب الأول يكفي.. ولكننا ذكرنا السبب الثاني لأنه حقيقة واقعة لا يمكن إنكارها إلا بتعنت..
فما هي طبيعة الرؤيا؟
تقول مدرسة التحليل النفسي: إنها صور من الرغبات المكبوتة تتنفس بها الأحلام في غياب الوعي.
وهذا يمثل جانباً من الأحلام. ولكنه لا يمثلها كلها. (وفرويد) ذاته- على كل تحكمه غير العلمي وتمحله في نظريته- يقرر أن هناك أحلاماً تنبؤية.
فما طبيعة هذه الأحلام التنبؤية؟
وقبل كل شيء نقرر أن معرفة طبيعتها أو عدم معرفة لا علاقة له بإثبات وجودها وصدق بعضها. إنما نحن نحاول فقط أن ندرك بعض خصائص هذا المخلوق البشري العجيب، وبعض سنن الله في هذا الوجود.
ونحن نتصور طبيعة هذه الرؤى على هذا النحو.. إن حواجز الزمان والمكان هي التي تحول بين هذا المخلوق البشري وبين رؤية ما نسميه الماضي أو المستقبل، أو الحاضر المحجوب. وأن ما نسميه ماضياً أو مستقبلاً إنما يحجبه عنا عامل الزمان، كما يحجب الحاضر البعيد عنا عامل المكان. وأن حاسةً ما في الإنسان لا نعرف كنهها تستيقظ أو تقوى في بعض الأحيان، فتتغلب على حاجز الزمان وترى ما وراءه في صورة مبهمة، ليست علماً ولكنها استشفاف، كالذي يقع في اليقظة لبعض الناس، وفي الرؤى لبعضهم، فيتغلب على حاجز المكان أو حاجز الزمان، أو هما معاً في بعض الأحيان [1] . وإن كنا في نفس الوقت لا نعلم شيئاً عن حقيقة الزمان.
كما أن حقيقة المكان ذاتها- وهي ما يسمى بالمادة- ليست معلومة لنا على وجه التحقيق: «وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا» ! على أية حال لقد رأى يوسف رؤياه هذه، وسنرى فيما بعد ما يكون تأويل الرؤيا.
ويسدل السياق الستار على مشهد يوسف ويعقوب هنا ليرفعه على مشهد آخر: مشهد إخوة يوسف يتآمرون، مع حركة تنبيه لأهمية ما سيكون: [1] وأستطيع أن أكذب كل شيء قبل أن أكذب حادثا وقع لي وأنا في أمريكا وأهلي في القاهرة وقد رأيت فيما يرى النائم ابن أخت لي شابا وفي عينه دم يحجبها عن الرؤية. فكتبت إلى أهلي أستفسر عن عينه بالذات، فجاءني الرد بأن عينه قد أصيبت بنزيّف داخلي وأنه يعالج.
ويلاحظ أن النزيف الداخلي لا يرى من الخارج، فقد كان منظر عينه لمن يراها بالعين المجردة منظرا عاديا، ولكنها كانت محجوبة عن الإبصار بالنزف الداخلي في قاعها. أما الرؤيا فقد كشفت عن هذا الدم المحجوب في الداخل! ولا أذكر غير هذه لأنها وحدها تكفي.
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 4 صفحه : 1972