نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 4 صفحه : 1955
من السقوط فعلا. ولقد شعر بضعفه إزاء كيد النسوة. ومنطق البيئة، وجو القصور، ونسوة القصور أيضا! ولكنه تمسك بالعروة الوثقى.. ليست هنالك لمحة واحدة مزوّرة في واقعية الشخصية وطبيعيتها وليس هنالك رائحة من مستنقعات الجاهلية ووحلها الفني! ذلك أن هذا هو الواقع السليم بكل جوانبه..
والعزيز.. وشخصيته بطبيعتها الخاصة، وبطبيعة سمت الإمارة ثم بضعف النخوة، وغلبة الرياء الاجتماعي وستر الظواهر وإنقاذها! وفيه تتمثل كل خصائص بيئته:
«فَلَمَّا رَأى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ، قالَ: إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ، إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ. يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هذا، وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ، إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخاطِئِينَ!» ..
والنسوة.. نسوة هذا المجتمع بكل ملامحه.. اللغط بسيرة امرأة العزيز وفتاها الذي راودته عن نفسه، بعد ما شغفها حبا! والاستنكار الذي تبدو فيه غيرة النسوة من امرأة العزيز أكثر مما يبدو فيه استنكار الفعلة! ثم وهلتهن أمام طلعة يوسف. ثم إقرارهن الأنثوي العميق بموقف المرأة التي كن يلغطن بقصتها ويستنكرن موقفها وإحساس هذه المرأة بهذا الإقرار الذي يشجعها على الاعتراف الكامل، وهي آمنة في ظل استسلامهن لأنوثتهن كما تصنعها بيئتهن الخاصة وتوجهها. ثم ميلهن كلهن على يوسف بالإغراء والإغواء، رغم ما أنطقتهن به الوهلة الأولى من نظافته وطهارته البادية من قولهن: «حاشَ لِلَّهِ! ما هذا بَشَراً، إِنْ هذا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ» ..
نأخذ ذلك من قولة يوسف عليه السلام:
«قال: رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه، وإلا تصرف عني كيدهن أصب إليهن وأكن من الجاهلين» ..
فلم تعد امرأة العزيز وحدها تراوده ولكن عادت نسوة تلك الطبقة بجملتها تطارده! والبيئة.. التي تتجلى سماتها من خلال ذلك كله. ثم من خلال ذلك التصرف في أمر يوسف، على الرغم مما بدا من براءته. ذلك التصرف المقصود به مواراة الفضيحة ودفن معالمها ولا يهم أن يذهب بريء كيوسف ضحيتها:
«ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات ليسجننه حتى حين» ..
فإذا تابعنا شخصية يوسف- عليه السلام- فإننا لا نفتقد في موقف واحد من مواقف القصة ملامح هذه الشخصية، المنبثقة من مقوماتها الذاتية البيئية الواقعية، المتمثلة في كونه «العبد الصالح- الإنسان- بكل بشريته، مع نشأته في بيت النبوة وتربيته ودينه» ..
فهو في السجن وظلماته- مع الظلم وظلماته! - لا يغفل عن الدعوة لدينه، في كياسة وتلطف- مع الحزم والفصل- وفي إدراك لطبيعة البيئة ومداخل النفوس فيها.. كما أنه لا يغفل عن حسن تمثيله بشخصه وأدبه وسلوكه لدينه هذا الذي يدعو إليه في سجنه:
«ودخل معه السجن فتيان. قال أحدهما: إني أراني أعصر خمراً، وقال الآخر: إني أراني أحمل فوق رأسي خبزاً تأكل الطير منه. نبئنا بتأويله، إنا نراك من المحسنين. قال: لا يأتيكما طعام ترزقانه إلا نبأتكما بتأويله قبل أن يأتيكما، ذلكما مما علمني ربي، إني تركت ملة قوم لا يؤمنون بالله وهم بالآخرة هم كافرون.
واتبعت ملة آبائي إبراهيم وإسحاق ويعقوب، ما كان لنا أن نشرك بالله من شيء، ذلك من فضل الله علينا وعلى الناس، ولكن أكثر الناس لا يشكرون. يا صاحبي السجن، أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار؟ ما تعبدون من دونه إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان، إن الحكم إلا الله،
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 4 صفحه : 1955