نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 4 صفحه : 1954
إرواء هواتفها الأنثوية أمرا يعاب أصلا! ومع صدق التصوير والتعبير عن هذا النموذج البشري الخاص بكل واقعيته، وعن هذه اللحظة الخاصة بكل طبيعيتها، فإن الأداء القرآني- الذي ينبغي أن يكون هو النموذج الأعلى للأداء الفني الإسلامي- لم يتخل عن طابعه النظيف مرة واحدة- حتى وهو يصور لحظة التعري النفسي والجسدي الكامل بكل اندفاعها وحيوانيتها- لينشىء ذلك المستنقع الكريه الذي يتمرغ في وحله كتاب «القصة الواقعية» وكتاب «القصة الطبيعية» في هذه الجاهلية النكدة بحجة الكمال الفني في الأداء! «وقال الذي اشتراه من مصر لامرأته: أكرمي مثواه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولداً. وكذلك مكنا ليوسف في الأرض، ولنعلمه من تأويل الأحاديث، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
ولما بلغ أشده آتيناه حكماً وعلماً، وكذلك نجزي المحسنين. وراودته التي هو في بيتها عن نفسه، وغلقت الأبواب وقالت: هيت لك! قال: معاذ الله! إنه ربي أحسن مثواي، إنه لا يفلح الظالمون. ولقد همت به وهم بها، لولا أن رأى برهان ربه. كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء، إنه من عبادنا المخلصين.
واستبقا الباب، وقدت قميصه من دبر، وألفيا سيدها لدى الباب، قالت: ما جزاء من أراد بأهلك سوءاً إلا أن يسجن أو عذاب أليم؟! قال: هي راودتني عن نفسي، وشهد شاهد من أهلها: إن كان قميصه قد من قبل فصدقت وهو من الكاذبين. وإن كان قميصه قد من دبر فكذبت وهو من الصادقين. فلما رأى قميصه قد من دبر قال: إنه من كيدكن، إن كيدكن عظيم! يوسف أعرض عن هذا، واستغفري لذنبك إنك كنت من الخاطئين! .. وقال نسوة في المدينة: امرأة العزيز تراود فتاها عن نفسه! قد شغفها حباً! إنا لنراها في ضلال مبين! فلما سمعت بمكرهن أرسلت إليهن، وأعتدت لهن متكأ، وآتت كل واحدة منهن سكيناً، وقالت: اخرج عليهن! فلما رأينه أكبرنه، وقطعن أيديهن، وقلن: حاش لله! ما هذا بشراً، إن هذا إلا ملك كريم. قالت: فذلكن الذي لُمْتُنَّني فيه! ولقد راودته عن نفسه فاستعصم، ولئن لم يفعل ما آمره ليسجنن وليكوناً من الصاغرين. قال: رب، السجن أحب إلي مما يدعونني إليه، وإلا تصرف عني كيدهن أصب إليهن وأكن من الجاهلين. فاستجاب له ربه فصرف عنه كيدهن، إنه هو السميع العليم» ..
وكذلك حين نلتقي بها مرة أخرى بعد ما دخل يوسف السجن بسبب كيدها وكيد النسوة وبقي هناك حتى رأى الملك رؤياه، وتذكر الفتى الذي كان سجينا معه أن يوسف هو وحده الذي يعرف تأويل الرؤيا، فطلب الملك أن يأتوه به، فأبى حتى يحقق قضيته، ويبرىء ساحته، فاستدعاها الملك مع النسوة. وإذا بها ما تزال المرأة المحبة، مع التغير الطبيعي الواقعي الذي يحدثه الزمن والعمر والأحداث والظروف ومع تسرب الإيمان الذي تعرفه من يوسف من خلال تلك المشاعر والمؤثرات جميعا:
«وقال الملك: ائتوني به. فلما جاءه الرسول قال: ارجع إلى ربك فاسأله: ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهن؟ إن ربي بكيدهن عليم. قال: ما خطبكن إذ راودتن يوسف عن نفسه؟ قلن: حاش لله! ما علمنا عليه من سوء. قالت امرأة العزيز: الآن حصحص الحق، أنا راودته عن نفسه، وإنه لمن الصادقين. ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب، وأن الله لا يهدي كيد الخائنين. وما أبرىء نفسي، إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي، إن ربي غفور رحيم» ..
ويوسف.. العبد الصالح- الإنسان- لم يزوّر الأداء القرآني في شخصيته الإنسانية لمحة واحدة وهو يواجه الفتنة بكل بشريته- مع نشأته في بيت النبوة وتربيته ودينه- وبشريته مع نشأته وتربيته ودينه تمثل بمجموعها واقعيته بكل جوانبها.. لقد ضعف حين همت به حتى هم بها ولكن الخيط الآخر شده وأنقذه
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 4 صفحه : 1954