نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 4 صفحه : 1953
الله وسلامه- وانطباعات هذه البيئة في تفكيرهم ومشاعرهم وتقاليدهم، وحاجتهم النفسية- من ثم- إلى مبرر للجريمة، وإلى طريقة للتحلل من نكارتها وبشاعتها:
«لَقَدْ كانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آياتٌ لِلسَّائِلِينَ. إِذْ قالُوا: لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلى أَبِينا مِنَّا- وَنَحْنُ عُصْبَةٌ- إِنَّ أَبانا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ! اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضاً يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ، وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْماً صالِحِينَ! قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ: لا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِّ، يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ- إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ! - قالُوا: يا أَبانا، ما لَكَ لا تَأْمَنَّا عَلى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَناصِحُونَ. أَرْسِلْهُ مَعَنا غَداً يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ، وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ! قالَ: إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ، وَأَخافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غافِلُونَ. قالُوا: لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذاً لَخاسِرُونَ. فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِّ، وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هذا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ. وَجاؤُ أَباهُمْ عِشاءً يَبْكُونَ، قالُوا: يا أَبانا، إِنَّا ذَهَبْنا نَسْتَبِقُ، وَتَرَكْنا يُوسُفَ عِنْدَ مَتاعِنا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ، وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا وَلَوْ كُنَّا صادِقِينَ. وَجاؤُ عَلى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ، قالَ: بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً، فَصَبْرٌ جَمِيلٌ، وَاللَّهُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ» ..
ونحن نجدهم- هم هم- في كل مواقف القصة بعد ذلك- كما نجد موقف أحدهم الخاص من أول القصة إلى آخرها- فما إن يذهبوا بأخي يوسف بعد ما طلبه منهم وهم لا يعرفونه يحسبون أنه عزيز مصر الذي قدموا من بلادهم- كنعان- ليشتروا منه القمح في سنوات الجدب العجاف، حيث يدبر الله ليوسف أن يأخذ أخاه منهم بحجة أنه وجد صواع الملك في رحله.. ما إن يروا هذا التدبير- وهم لا يعلمون ما وراءه- حتى ينفجر حقدهم القديم على يوسف:
«قالوا: إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل! فأسرها يوسف في نفسه ولم يبدها لهم. قال: أنتم شر مكاناً، والله أعلم بما تصفون» ..
كذلك نجدهم- هم هم- بعد مواجهة أبيهم بالفجيعة الثانية في شيخوخته الحزينة، فما إن يروا تجدد حزنه على يوسف حتى ينفجر حقدهم القديم، دون مراعاة لشيخوخة أبيهم ونكبته الأليمة:
«وتولى عنهم وقال: يا أسفا على يوسف! وابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم. قالوا: تالله تفتأ تذكر يوسف حتى تكون حرضا أو تكون من الهالكين!» ..
ومثلها عند ما أرسل يوسف قميصه إلى أبيه في النهاية- بعد ما كشف لهم عن شخصيته- فلما رأوا أباهم يستنشق عبير يوسف، غاظهم هذا الاتصال الباطني الدال على عمق ما بينه وبين يوسف، فلم يملكوا أنفسهم أن يبكتوه ويؤنبوه:
«ولما فصلت العير قال أبوهم: إني لأجد ريح يوسف، لولا أن تفندون! قالوا: تالله إنك لفي ضلالك القديم!» ..
وامرأة العزيز.. في صرع الشهوة التي تعمي عن كل شيء في اندفاعها الهائج الكاسح، فلا تحفل حياء أنثويا ولا كبرياء ذاتيا، كما لا تحفل مركزا اجتماعيا ولا فضيحة عائلية.. والتي تستخدم- مع ذلك- كل مكر الأنثى وكيدها، سواء في تبرئة نفسها أو حماية من تهوى من جرائر التهمة التي ألصقتها به، وتحديد عقوبة لا تودي بحياته! أو رد الكيد للنسوة من ثغرة الضعف الغريزي الشهوي الذي تعرفه فيهن من معرفتها لنفسها! أو التبجح بشهوانيتها أمام انكشاف ضعف عزيمتها وكبريائها أمام من تهوى، ووقوف نسوتها معها على أرض واحدة، حيث تبدو فيها الأنثى متجردة من كل تجمل المرأة وحيائها، الأنثى التي لا تحس في
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 4 صفحه : 1953