responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 4  صفحه : 1899
وهو يشهد الله ربه على براءته من قومه الضالين وانعزاله عنهم وانفصاله منهم. ويشهدهم هم أنفسهم على هذه البراءة منهم في وجوههم كي لا تبقى في أنفسهم شبهة من نفوره وخوفه أن يكون منهم! وذلك كله مع عزة الإيمان واستعلائه. ومع ثقة الإيمان واطمئنانه! وإن الإنسان ليدهش لرجل فرد يواجه قوماً غلاظاً شداداً حمقى. يبلغ بهم الجهل أن يعتقدوا أن هذه المعبودات الزائفة تمس رجلاً فيهذي ويروا في الدعوة إلى الله الواحد هذياناً من أثر المس! يدهش لرجل يواجه هؤلاء القوم الواثقين بآلهتهم المفتراة هذه الثقة، فيسفه عقيدتهم ويقرعهم عليها ويؤنبهم ثم يهيج ضراوتهم بالتحدي. لا يطلب مهلة ليستعد استعدادهم، ولا يدعهم يتريثون فيفثأ غضبهم.
إن الإنسان ليدهش لرجل فرد يقتحم هذا الاقتحام على قوم غلاظ شداد. ولكن الدهشة تزول عند ما يتدبر العوامل والأسباب..
إنه الإيمان. والثقة. والاطمئنان.. الإيمان بالله، والثقة بوعده، والإطمئنان إلى نصره.. الإيمان الذي يخالط القلب فإذا وعد الله بالنصر حقيقة ملموسة في هذا القلب لا يشك فيها لحظة. لأنها ملء يديه، وملء قلبه الذي بين جنبيه، وليست وعداً للمستقبل في ضمير الغيب، إنما هي حاضر واقع تتملاه العين والقلب.
«قال: إني أشهد الله واشهدوا أني بريء مما تشركون من دونه» .
إني أشهد الله على براءتي مما تشركون من دونه. واشهدوا أنتم شهادة تبرئني وتكون حجة عليكم: أنني عالنتكم بالبراءة مما تشركون من دون الله. ثم تجمعوا أنتم وهذه الآلهة التي تزعمون أن أحدها مسني بسوء.
تجمعوا أنتم وهي- جميعاً- ثم كيدوني بلا ريث ولا تمهل، فما أباليكم جميعاً، ولا أخشاكم شيئاً:
«إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ» ..
ومهما أنكرتم وكذبتم. فهذه الحقيقة قائمة. حقيقة ربوبية الله لي ولكم. فالله الواحد هو ربي وربكم، لأنه رب الجميع بلا تعدد ولا مشاركة..
«ما مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها» ..
وهي صورة محسوسة للقهر والقدرة تصور القدرة آخذة بناصية كل دابة على هذه الأرض، بما فيها الدواب من الناس. والناصية أعلى الجبهة. فهو القهر والغلبة والهيمنة، في صورة حسية تناسب الموقف، وتناسب غلظة القوم وشدتهم، وتناسب صلابة أجسامهم وبنيتهم، وتناسب غلظ حسهم ومشاعرهم.. وإلى جانبها تقرير استقامة السنة الإلهية في اتجاهها الذي لا يحيد:
«إِنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ» ..
فهي القوة والاستقامة والتصميم.
وفي هذه الكلمات القوية الحاسمة ندرك سر ذلك الإستعلاء وسر ذلك التحدي.. إنها ترسم صورة الحقيقة التي يجدها نبي الله هود- عليه السلام- في نفسه من ربه.. إنه يجد هذه الحقيقة واضحة.. إن ربه ورب الخلائق قوي قاهر: «ما مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها» .. وهؤلاء الغلاظ الأشداء من قومه إن هم إلا دواب من تلك الدواب التي يأخذ ربه بناصيتها ويقهرها بقوته قهراً. فما خوفه من هذه الدواب وما احتفاله بها وهي لا تسلط عليه- إن سلطت- إلا بإذن ربه؟ وما بقاء فيها وقد اختلف طريقها عن طريقه؟

نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 4  صفحه : 1899
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست