responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 4  صفحه : 1898
جانب واحد من السنن الكونية كالعمل والنظام ووفرة الإنتاج. وهذه وحدها لا تدوم. لأن فساد الحياة الشعورية والاجتماعية يقضي عليها بعد حين.
فأما إرسال المطر. مدراراً. فالظاهر للبشر أنه يجري وفق سنن طبيعية ثابتة في النظام الكوني. ولكن جريان السنن الطبيعية لا يمنع أن يكون المطر محيياً في مكان وزمان، ومدمراً في مكان وزمان وأن يكون من قدر الله أن تكون الحياة مع المطر لقوم، وأن يكون الدمار معه لقوم، وان ينفذ الله تبشيره بالخير ووعيده بالشر عن طريق توجيه العوامل الطبيعية فهو خالق هذه العوامل، وجاعل الأسباب لتحقيق سنته على كل حال. ثم تبقى وراء ذلك مشيئة الله الطليقة التي تصرف الأسباب والظواهر بغير ما اعتاد الناس من ظواهر النواميس وذلك لتحقيق قدر الله كيفما شاء. حيث شاء. بالحق الذي يحكم كل شيء في السماوات والأرض [1] غير مقيد بما عهده الناس في الغالب.
تلك كانت دعوة هود- ويبدو أنها لم تكن مصحوبة بمعجزة خارقة. ربما لأن الطوفان كان قريباً منهم، وكان في ذاكرة القوم وعلى لسانهم، وقد ذكرهم به في سورة أخرى- فأما قومه فظنوا به الظنون..
«قالُوا. يا هُودُ ما جِئْتَنا بِبَيِّنَةٍ، وَما نَحْنُ بِتارِكِي آلِهَتِنا عَنْ قَوْلِكَ، وَما نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ. إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَراكَ بَعْضُ آلِهَتِنا بِسُوءٍ ... » .
إلى هذا الحد بلغ الإنحراف في نفوسهم، إلى حد أن يظنوا أن هوداً يهذي، لأن أحد آلهتهم المفتراة قد مسه بسوء، فأصيب بالهذيان! «يا هود ما جئتنا ببينة» ...
والتوحيد لا يحتاج إلى بينة، إنما يحتاج إلى التوجية والتذكير، وإلى استجاشة منطق الفطرة، واستنباء الضمير.
«وَما نَحْنُ بِتارِكِي آلِهَتِنا عَنْ قَوْلِكَ» ..
أي لمجرد أنك تقول بلا بينة ولا دليل! «وَما نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ» ..
أي مستجيبين لك ومصدقين.. وما نعلل دعوتك إلا بأنك تهذي وقد أصابك أحد آلهتنا بسوء! وهنا لم يبق لهود إلا التحدي. وإلا التوجه إلى الله وحده والإعتماد عليه. وإلا الوعيد والإنذار الأخير للمكذبين.
وإلا المفاصلة بينه وبين قومه ونفض يده من أمرهم إن أصروا على التكذيب:
«قالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ، وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ مِنْ دُونِهِ، فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ. إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ، ما مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها، إِنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ. فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ ما أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ، وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْماً غَيْرَكُمْ، وَلا تَضُرُّونَهُ شَيْئاً، إِنَّ رَبِّي عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ» ..
إنها انتفاضة التبرؤ من القوم- وقد كان منهم وكان أخاهم- وانتفاضة الخوف من البقاء فيهم وقد اتخذوا غير طريق الله طريقاً. وانتفاضة المفاصلة بين حزبين لا يلتقيان على وشيجة وقد أنبتت بينهما وشيجة العقيدة.

[1] سيأتي تفصيل ذلك في التعقيب على القصة.
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 4  صفحه : 1898
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست