نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 4 صفحه : 1900
إن هذه الحقيقة التي يجدها صاحب الدعوة في نفسه، لا تدع في قلبه مجالاً للشك في عاقبة أمره ولا مجالاً للتردد عن المضي في طريقه.
إنها حقيقة الألوهية كما تتجلى في قلوب الصفوة المؤمنة ابداً.
وعند هذا الحد من التحدي بقوة الله، وإبراز هذه القوة في صورتها القاهرة الحاسمة، يأخذ هود في الإنذار والوعيد:
«فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ ما أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ» ..
فأديت واجبي لله، ونفضت يدي من أمركم لتواجهوا قوة الله سبحانه:
«وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْماً غَيْرَكُمْ» ..
يليقون بتلقي دعوته ويستقيمون على هدايته بعد إهلاككم ببغيكم وظلمكم وانحرافكم.
«وَلا تَضُرُّونَهُ شَيْئاً» ..
فما لكم به من قوة، وذهابكم لا يترك في كونه فراغاً ولا نقصاً..
«إِنَّ رَبِّي عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ» ..
يحفظ دينه وأولياءه وسننه من الأذى والضياع، ويقوم عليكم فلا تفلتون ولا تعجزونه هرباً! وكانت هي الكلمة الفاصلة. وانتهى الجدل والكلام. ليحق الوعيد والإنذار:
«وَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا هُوداً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا. وَنَجَّيْناهُمْ مِنْ عَذابٍ غَلِيظٍ» .
لما جاء أمرنا بتحقيق الوعيد، وإهلاك قوم هود، نجينا هوداً والذين آمنوا معه برحمة مباشرة منا، خلصتهم من العذاب العام النازل بالقوم، واستثنتهم من أن يصيبهم بسوء. وكانت نجاتهم من عذاب غليظ حل بالمكذبين. ووصف العذاب بأنه غليظ بهذا التصوير المجسم، يتناسق مع الجو، ومع القوم الغلاظ العتاة.
والآن وقد هلكت عاد. يشار إلى مصرعها إشارة البعد، ويسجل عليها ما اقترفت من ذنب، وتشيع باللعنة والطرد، في تقرير وتكرار وتوكيد:
«وَتِلْكَ عادٌ جَحَدُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْا رُسُلَهُ وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ. وَأُتْبِعُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيامَةِ. أَلا إِنَّ عاداً كَفَرُوا رَبَّهُمْ. أَلا بُعْداً لِعادٍ قَوْمِ هُودٍ» ..
«وَتِلْكَ عادٌ» .. بهذا البعد. وقد كان ذكرهم منذ لحظة في السياق، وكان مصرعهم معروضا على الأنظار..
ولكنهم انتهوا وبعدوا عن الأنظار والأفكار..
«وَتِلْكَ عادٌ جَحَدُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْا رُسُلَهُ» ..
وهم عصوا رسولاً واحداً. ولكن أليست هي رسالة واحدة جاء بها الرسل جميعاً؟ فمن لم يسلم لرسول بها فقد عصى الرسل جميعاً. ولا ننسى أن هذا الجمع في الآيات وفي الرسل مقصود من ناحية أسلوبية أخرى لتضخيم جريمتهم وإبراز شناعتها. فهم جحدوا آيات، وهم عصوا رسلاً. فما أضخم الذنب وما أشنع الجريمة! «وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ» ..
امر كل متسلط عليهم، معاند لا يسلم بحق، وهم مسؤولون أن يتحرروا من سلطان المتسلطين، ويفكروا بأنفسهم لأنفسهم. ولا يكونوا ذيولاً فيهدروا آدميتهم.
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 4 صفحه : 1900