نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 4 صفحه : 1861
فواجبك كله أن تنذرهم- وأبرز صفة النذير هنا لأن المقام يستوجبها مع أمثال هؤلاء- فأد واجبك:
«وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ» ..
فهو الموكل بهم، يصرفهم كيف يشاء وفق سنته، ويحاسبهم بعد ذلك على ما يكسبون. ولست أنت موكلاً بكفرهم أو إيمانهم. إنما أنت نذير.
وهذه الآية تشي بجو تلك الفترة الحرجة في تاريخ الدعوة وما كان يعتور صدر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من الضيق. كما تشي بثقل المواجهة للجاهلية المتمردة المعاندة، في الوقت الذي هلك فيه العشير والنصير وغمرت الوحشة قلب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وغشى الكرب على قلوب المؤمنين القلائل في هذه الجاهلية المحيطة..
ومن بين كلمات الآية نحس جواً مكروباً تتنزل فيه هذه الكلمات الربانية بالبشاشة، وتسكب فيه الطمأنينة، وتريح الأعصاب والقلوب! وقولة أخرى يقولونها. وقد قالوها مراراً: إن هذا القرآن مفترى. فتحدّهم إذن أن يفتروا عشر سور كسوره، وليستعينوا بمن يشاءون في هذا الإفتراء:
«أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ؟ قُلْ: فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَياتٍ. وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ» ..
ولقد سبق أن تحداهم بسورة واحدة في سورة يونس، فما التحدي بعد ذلك بعشر سور؟
قال المفسرون القدامى: إن التحدي كان على الترتيب: بالقرآن كله، ثم بعشر سور، ثم بسورة واحدة.
ولكن هذا الترتيب ليس عليه دليل. بل الظاهر أن سورة يونس سابقة والتحدي فيها بسورة واحدة، وسورة هود لا حقة والتحدي فيها بعشر سور. وحقيقة إن ترتيب الآيات في النزول ليس من الضروري أن يتبع ترتيب السور. فقد كانت تنزل الآية فتلحق بسورة سابقة أو لا حقة في النزول. إلا أن هذا يحتاج إلى ما يثبته.
وليس في أسباب النزول ما يثبت أن آية يونس كانت بعد آية هود. والترتيب التحكمي في مثل هذا لا يجوز.
ولقد حاول السيد رشيد رضا في تفسير المنار أن يجد لهذا العدد «عشر سور» علة، فأجهد نفسه طويلاً- رحمة الله عليه- ليقول: إن المقصود بالتحدي هنا هو القصص القرآني، وأنه بالإستقراء يظهر أن السور التي كان قد نزل بها قصص مطول إلى وقت نزول سورة هود كانت عشراً. فتحداهم بعشر.. لأن تحديهم بسورة واحدة فيه يعجزهم أكثر من تحديهم بعشر نظراً لتفرق القصص وتعدد أساليبه، واحتياج المتحدي إلى عشر سور كالتي ورد فيها ليتمكن من المحاكاة إن كان سيحاكى.. إلخ [1] ونحسب- والله أعلم- أن المسألة أيسر من كل هذا التعقيد. وأن التحدي كان يلاحظ حالة القائلين وظروف القول، لأن القرآن كان يواجه حالات واقعة محددة مواجهة واقعة محددة. فيقول مرة: ائتوا بمثل هذا القرآن. أو ائتوا بسورة، أو بعشر سور. دون ترتيب زمني. لأن الغرض كان هو التحدي في ذاته بالنسبة لأي شيء من هذا القرآن. كله أو بعضه أو سورة منه على السواء. فالتحدي كان بنوع هذا القرآن لا بمقداره.
والعجز كان عن النوع لا عن المقدار. وعندئذ يستوي الكل والبعض والسورة. ولا يلزم ترتيب، إنما هو [1] من صفحة 32 إلى صفحة 41 من تفسير المنار الجزء الثاني عشر.
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 4 صفحه : 1861