نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 4 صفحه : 1860
وبمناسبة استعجال العذاب يجول السياق جولة في نفس هذا المخلوق الإنساني العجيب، الذي لا يثبت ولا يستقيم إلا بالإيمان:
«وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْناها مِنْهُ إِنَّهُ لَيَؤُسٌ كَفُورٌ، وَلَئِنْ أَذَقْناهُ نَعْماءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ: ذَهَبَ السَّيِّئاتُ عَنِّي، إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ. إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ، أُولئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ» ..
إنها صورة صادقة لهذا الإنسان العجول القاصر، الذي يعيش في لحظته الحاضرة، ويطغى عليه ما يلابسه فلا يتذكر ما مضى ولا يفكر فيما يلي. فهو يؤوس من الخير، كفور بالنعمة بمجرد أن تنزع منه. مع أنها كانت هبة من الله له. وهو فرح بطر بمجرد أن يجاوز الشدة إلى الرخاء. لا يحتمل في الشدة ويصبر ويؤمل في رحمة الله ويرجو فرجه ولا يقتصد في فرحه وفخره بالنعمة أو يحسب لزوالها حساباً..
«إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا» ..
صبروا على النعمة كما صبروا على الشدة، فإن كثيراً من الناس يصبرون على الشدة تجلداً وإباء أن يظهر عليهم الضعف والخور، ولكن القلة هي التي تصبر على النعمة فلا تغتر ولا تبطر..
«وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ» ..
في الحالين. في الشدة بالاحتمال والصبر، وفي النعمة بالشكر والبر.
«أُولئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ» ..
بما صبروا على الضراء وبما شكروا في السراء.
إن الإيمان الجاد المتمثل في العمل الصالح هو الذي يعصم النفس البشرية من اليأس الكافر في الشدة كما يعصمها من البطر الفاجر في الرخاء. وهو الذي يقيم القلب البشري على سواء في البأساء والنعماء ويربطه بالله في حاليه، فلا يتهاوى ويتهافت تحت مطارق البأساء. ولا يتنفج ويتعالى عند ما تغمره النعماء..
وكلا حالي المؤمن خير. وليس ذلك إلا للمؤمن كما يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أولئك الجاهلون بحكمة الخلق وبسنن الكون- وهم أفراد من هذا الإنسان القاصر الغافل اليؤوس الكفور الفرح الفخور- الذين لا يدركون حكمة إرسال الرسل من البشر فيطلبون أن يكون الرسول ملكاً أو أن يصاحبه ملك ولا يقدرون قيمة الرسالة فيطلبون أن يكون للرسول كنز! .. أولئك المكذبون المعاندون الذين يلجون في التكذيب والعناد.. ما تراك صانعاً معهم أيها الرسول؟
«فَلَعَلَّكَ تارِكٌ بَعْضَ ما يُوحى إِلَيْكَ وَضائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَنْ يَقُولُوا: لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ جاءَ مَعَهُ مَلَكٌ. إِنَّما أَنْتَ نَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ» ..
ولعل هنا تحمل معنى الإستفهام. وهو ليس استفهاماً خالصاً، إنما يتلبس به أن المتوقع من النفس البشرية أن تضيق صدراً بهذا الجهل، وبهذا التعنت، وبهذه الإقتراحات السخيفة التي تكشف عن بعد كامل عن إدراك طبيعة الرسالة ووظيفتها. فهل سيضيق صدرك- يا محمد- وهل سيحملك هذا الضيق على أن تترك بعض ما أنزل إليك فلا تبلغه لهم، كي لا يقابلوه بما اعتادوا أن يقابلوا به نظائره فيما أخبرتهم من قبل؟
كلا. لن تترك بعض ما يوحى إليك ولن يضيق به صدرك من قولهم هذا:
«إِنَّما أَنْتَ نَذِيرٌ» ..
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 4 صفحه : 1860