نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 4 صفحه : 1862
مقتضى الحالة التي يكون عليها المخاطبون، ونوع ما يقولون عن هذا القرآن في هذه الحالة. فهو الذي يجعل من المناسب أن يقال سورة أو عشر سور أو هذا القرآن. ونحن اليوم لا نملك تحديد الملابسات التي لم يذكرها لنا القرآن.
«وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ» ..
ادعوا شركاءكم وفصحاءكم وبلغاءكم وشعراءكم وجنكم وإنسكم. وأتوا بعشر سور فقط مفتريات، إن كنتم صادقين في أن هذا القرآن مفترى من دون الله! «فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ» ..
ولم يقدروا على افتراء عشر سور، لأنهم عاجزون عن أن يقدموا لكم عوناً في هذه المهمة المتعذرة! وعجزتم أنتم بطبيعة الحال، لأنكم لم تدعوهم لتستعينوا بهم إلا بعد عجزكم! «فَاعْلَمُوا أَنَّما أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ» ..
فهو وحده القادر على أن ينزله، وعلم الله وحده هو الكفيل بأن ينزله على هذا النحو الذي نزل به، متضمناً ما تضمنه من دلائل العلم الشامل بسنن الكون وأحوال البشر، وماضيهم وحاضرهم ومستقبلهم، وما يصلح لهم في نفوسهم وفي معاشهم ...
«وَأَنْ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ» ..
فهذا مستفاد كذلك من عجز آلهتكم عن تلبيتكم في تأليف عشر سور كالتي أنزلها الله. فلا بد أن يكون هناك إله واحد هو القادر وحده على تنزيل هذا القرآن.
ويعقب على هذا التقرير الذي لا مفر من الإقرار به بسؤال لا يحتمل إلا جواباً واحداً عند غير المكابرين المتعنتين. سؤال:
«فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ؟» ..
بعد هذا التحدي والعجز ودلالته التي لا سبيل إلى مواجهتها بغير التسليم؟.
ولكنهم ظلوا بعدها يكابرون!!! لقد كان الحق واضحاً ولكنهم كانوا يخافون على ما يتمتعون به في هذه الحياة الدنيا من منافع وسلطان، وتعبيد للناس كي لا يستجيبوا لداعي الحرية والكرامة والعدل والعزة.. داعي لا إله إلا الله.. لهذا يعقب السياق بما يناسب حالهم ويصور لهم عاقبة أمرهم فيقول:
«مَنْ كانَ يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمالَهُمْ فِيها وَهُمْ فِيها لا يُبْخَسُونَ. أُولئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ، وَحَبِطَ ما صَنَعُوا فِيها، وَباطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ» ..
إن للجهد في هذه الأرض ثمرته. سواء تطلع صاحبه إلى أفق أعلى أو توجه به الى منافعه القريبة وذاته المحدودة. فمن كان يريد الحياة الدنيا وزينتها فعمل لها وحدها، فإنه يلقى نتيجة عمله في هذه الدنيا ويتمتع بها كما يريد- في أجل محدود- ولكن ليس له في الآخرة إلا النار، لأنه لم يقدم للآخرة شيئاً، ولم يحسب لها حساباً، فكل عمل الدنيا يلقاه في الدنيا. ولكنه باطل في الآخرة لا يقام له فيها وزن وحابط (من حبطت الناقة إذا انتفخ بطنها من المرض) وهي صورة مناسبة للعمل المنتفخ المتورم في الدنيا وهو مؤد إلى الهلاك! ونحن نشهد في هذه الأرض أفراداً اليوم وشعوباً وأمماً تعمل لهذه الدنيا، وتنال جزاءها فيها. ولدنياها
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 4 صفحه : 1862