نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 3 صفحه : 1420
الغضب لأخذ الطريق على الشيطان ونزغه اللئيم:
«إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ» ..
وتكشف هذه الآية القصيرة عن إيحاءات عجيبة، وحقائق عميقة، يتضمنها التعبير القرآني المعجز الجميل..
إن اختتام الآية بقوله: «فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ» ليضيف معاني كثيرة إلى صدر الآية. ليس لها ألفاظ تقابلها هناك..
إنه يفيد أن مس الشيطان يعمي ويطمس ويغلق البصيرة. ولكن تقوى الله ومراقبته وخشية غضبه وعقابه..
تلك الوشيجة التي تصل القلوب بالله وتوقظها من الغفلة عن هداه.. تذكر المتقين. فإذا تذكروا تفتحت بصائرهم وتكشفت الغشاوة عن عيونهم: «فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ» .. إن مس الشيطان عمى، وإن تذكر الله إبصار.. إن مس الشيطان ظلمة، وإن الاتجاه إلى الله نور.. إن مس الشيطان تجلوه التقوى، فما للشيطان على المتقين من سلطان..
ذلك شأن المتقين: «إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ» .. جاء بيان هذا الشأن معترضاً بين أمر الله سبحانه بالإعراض عن الجاهلين وبيان ماذا ومن ذا وراء هؤلاء الجاهلين، يدفعهم إلى الجهل والحمق والسفه الذي يزاولون.. فلما انتهى التعقيب عاد السياق يحدث عن الجاهلين:
«وَإِخْوانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الغَيِّ ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ. وَإِذا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ قالُوا: لَوْلا اجْتَبَيْتَها. قُلْ: إِنَّما أَتَّبِعُ ما يُوحى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي، هذا بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ» ..
وإخوانهم الذين يمدونهم في الغي هم شياطين الجن.. وقد يكونون هم شياطين الإنس أيضاً.. إنهم يزيدون لهم في الضلال، لا يكلون ولا يسأمون ولا يسكتون! وهم من ثم يحمقون ويجهلون! ويظلون فيما هم فيه سادرين.
ولقد كان المشركون لا يكفون عن طلب الخوارق من رسول الله- صلى الله عليه وسلم- والسياق هنا يحكي بعض أقوالهم الدالة على جهلهم بحقيقة الرسالة وطبيعة الرسول:
«وَإِذا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ قالُوا: لَوْلا اجْتَبَيْتَها!» ..
أي.. لولا ألححت على ربك حتى ينزلها! .. أو هلا فعلتها أنت من نفسك؟ ألست نبياً؟! ..
إنهم لم يكونوا يدركون طبيعة الرسول ووظيفته كذلك لم يكونوا يعرفون أدبه مع ربه وأنه يتلقى منه ما يعطيه ولا يقدم بين يدي ربه ولا يقترح عليه ولا يأتي كذلك الشيء من عند نفسه.. والله يأمره أن يبين لهم:
«قُلْ: إِنَّما أَتَّبِعُ ما يُوحى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي» ..
فلا أقترح، ولا أبتدع، ولا أملك إلا ما يوحيه إلي ربي. ولا آتي إلا ما يأمرني به..
لقد كانت الصورة الزائفة للمتنبئين في الجاهليات تتراءى لهم، ولم يكن لهم فقه ولا معرفة بحقيقة الرسالة وطبيعة الرسول:
كذلك يؤمر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أن يبين لهم ما في هذا القرآن الذي جاءهم به، وحقيقته التي يغفلون عنها، ويطلبون الخوارق المادية، وأمامهم هذا الهدى الذي يغفلون عنه:
«هذا بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ» ..
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 3 صفحه : 1420