نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 3 صفحه : 1421
إنه هذا القرآن.. بصائر تهدي، ورحمة تفيض.. لمن يؤمن به، ويغتنم هذا الخير العميم..
إنه هذا القرآن الذي كان الجاهلون من العرب- في جاهليتهم- يعرضون عنه، ويطلبون خارقة من الخوارق المادية مثل التي جرت على أيدي الرسل من قبل، في طفولة البشرية، وفي الرسالات المحلية غير العالمية، والتي لا تصلح إلا لزمانها ومكانها، ولا تواجه إلا الذين يشاهدونها، فكيف بمن بعدهم من الأجيال، وكيف بمن وراءهم من الأقوام الذين لم يروا هذه الخارقة! إنه هذا القرآن الذي لا تبلغ خارقة مادية من الإعجاز ما يبلغه.. من أي جانب من الجوانب شاء الناس المعجزة في أي زمان وفي أي مكان.. لا يستثنى من ذلك من كان من الناس ومن يكون إلى آخر الزمان! فهذا جانبه التعبيري.. ولعله كان بالقياس إلى العرب في جاهليتهم أظهر جوانبه- بالنسبة لما كانوا يحفلون به من الأداء البياني، ويتفاخرون به في أسواقهم! - ها هو ذا كان وما يزال إلى اليوم معجزاً لا يتطاول إليه أحد من البشر. تحداهم الله به وما يزال هذا التحدي قائماً. والذين يزاولون فن التعبير من البشر، ويدركون مدى الطاقة البشرية فيه، هم أعرف الناس بأن هذا الأداء القرآني معجز معجز.. سواء كانوا يؤمنون بهذا الدين عقيدة أو لا يؤمنون.. فالتحدي في هذا الجانب قائم على أسس موضوعية يستوي أمامها المؤمنون والجاحدون..
وكما كان كبراء قريش يجدون من هذا القرآن- في جاهليتهم- ما لا قبل لهم بدفعه عن أنفسهم- وهم جاحدون كارهون- كذلك يجد اليوم وغداً كل جاهلي جاحد كاره ما وجد الجاهليون الأولون! ويبقى وراء ذلك السر المعجز في هذا الكتاب الفريد.. يبقى ذلك السلطان الذي له على الفطرة- متى خلي بينها وبينه لحظة! - وحتى الذين رانت على قلوبهم الحجب، وثقل فوقها الركام، تنتفض قلوبهم أحياناً وتتململ قلوبهم أحياناً تحت وطأة هذا السلطان وهم يستمعون إلى هذا القرآن! إن الذين يقولون كثيرون.. وقد يقولون كلاماً يحتوي مبادئ ومذاهب وأفكارا واتجاهات.. ولكن هذا القرآن ينفرد في إيقاعاته على فطرة البشر وقلوبهم فيما يقول! إنه قاهر غلاب بذلك السلطان الغلاب! ..
ولقد كان كبراء قريش يقولون لأتباعهم الذين يستخفونهم- ويقولون لأنفسهم في الحقيقة-: «لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ» .. لما كانوا يجدونه هم في نفوسهم من مس هذا القرآن وإيقاعه الذي لا يقاوم! وما يزال كبراء اليوم يحاولون أن يصرفوا القلوب عن هذا القرآن بما ينزلونه لهم من مكاتيب! غير أن هذا القرآن يظل- مع ذلك كله- غلاباً.. وما إن تعرض الآية منه أو الآيات في ثنايا قول البشر، حتى تتميز وتنفرد بإيقاعها، وتستولي على الحس الداخلي للسامعين، وتنحي ما عداها من قول البشر المحير الذي تعب فيه القائلون! ثم يبقى وراء ذلك مادة هذا القرآن وموضوعه.. وما تتسع صفحات عابرة- في ظلال القرآن- للحديث عن مادة هذا القرآن وموضوعه.. فالقول لا ينتهي والمجال لا يحد! وماذا الذي يمكن أن يقال في صفحات؟! منهج هذا القرآن العجيب، في مخاطبة الكينونة البشرية بحقائق الوجود.. وهو منهج يواجه هذه الكينونة بجملتها، لا يدع جانباً واحداً منها لا يخاطبه في السياق الواحد، ولا يدع نافذة واحدة من نوافذها لا يدخل منها إليها ولا يدع خاطراً فيها لا يجاوبه، ولا يدع هاتفاً فيها لا يلبيه! منهج هذا القرآن العجيب، وهو يتناول قضايا هذا الوجود، فيكشف منها ما تتلقاه فطرة الإنسان وقلبه
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 3 صفحه : 1421