نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 3 صفحه : 1419
«خُذِ الْعَفْوَ، وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ، وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ، وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ، إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ. إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ» ..
خذ العفو الميسر الممكن من أخلاق الناس في المعاشرة والصحبة، ولا تطلب إليهم الكمال، ولا تكلفهم الشاق من الأخلاق. واعف عن أخطائهم وضعفهم ونقصهم.. كل أولئك في المعاملات الشخصية لا في العقيدة الدينية ولا في الواجبات الشرعية. فليس في عقيدة الإسلام ولا شريعة الله يكون التغاضي والتسامح.
ولكن في الأخذ والعطاء والصحبة والجوار. وبذلك تمضي الحياة سهلة لينة. فالإغضاء عن الضعف البشري، والعطف عليه، والسماحة معه، واجب الكبار الأقوياء تجاه الصغار الضعفاء. ورسول الله- صلى الله عليه وسلم- راع وهاد ومعلم ومرب. فهو أولى الناس بالسماحة واليسر والإغضاء.. وكذلك كان صلى الله عليه وسلم.. لم يغضب لنفسه قط. فإذا كان في دين الله لم يقم لغضبه شيء! .. وكل أصحاب الدعوة مأمورون بما أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم. فالتعامل مع النفوس البشرية لهدايتها يقتضي سعة صدر، وسماحة طبع، ويسراً وتيسيراً في غير تهاون ولا تفريط في دين الله..
«وأمر بالعرف» .. وهو الخير المعروف الواضح الذي لا يحتاج إلى مناقشة وجدال والذي تلتقي عليه الفطر السليمة والنفوس المستقيمة.. والنفس حين تعتاد هذا المعروف يسلس قيادها بعد ذلك، وتتطوع لألوان من الخير دون تكليف وما يصد النفس عن الخير شيء مثلما يصدها التعقيد والمشقة والشد في أول معرفتها بالتكاليف! ورياضة النفوس تقتضي أخذها في أول الطريق بالميسور المعروف من هذه التكاليف حتى يسلس قيادها وتعتاد هي بذاتها النهوض بما فوق ذلك في يسر وطواعية ولين..
«وأعرض عن الجاهلين» .. من الجهالة ضد الرشد، والجهالة ضد العلم.. وهما قريب من قريب..
والإعراض يكون بالترك والإهمال والتهوين من شأن ما يجهلون به من التصرفات والأقوال والمرور بها مر الكرام وعدم الدخول معهم في جدال لا ينتهي إلى شيء إلا الشد والجذب، وإضاعة الوقت والجهد..
وقد ينتهي السكوت عنهم، والإعراض عن جهالتهم إلى تذليل نفوسهم وترويضها، بدلاً من الفحش في الرد واللجاج في العناد. فإن لم يؤد إلى هذه النتيجة فيهم، فإنه يعزلهم عن الآخرين الذين في قلوبهم خير. إذ يرون صاحب الدعوة محتملاً معرضاً عن اللغو، ويرون هؤلاء الجاهلين يحمقون ويجهلون فيسقطون من عيونهم ويُعزلون! وما أجدر صاحب الدعوة أن يتبع هذا التوجيه الرباني العليم بدخائل النفوس! ولكن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بشر. وقد يثور غضبه على جهالة الجهال وسفاهة السفهاء وحمق الحمقى.. وإذا قدر عليها رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقد يعجز عنها من وراءه من أصحاب الدعوة..
وعند الغضب ينزغ الشيطان في النفس، وهي ثائرة هائجة مفقودة الزمام! .. لذا يأمره ربه أن يستعيذ بالله لينفثئ غضبه، ويأخذ على الشيطان طريقه:
«وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ» ..
وهذا التعقيب: «إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ» .. يقرر أن الله سبحانه سميع لجهل الجاهلين وسفاهتهم عليم بما تحمله نفسك من أذاهم.. وفي هذا ترضية وتسرية للنفس.. فحسبها أن الجليل العظيم يسمع ويعلم! وماذا تبتغي نفس بعد ما يسمع الله ويعلم ما تلقى من السفاهة والجهل وهي تدعو إليه الجاهلين؟! ثم يتخذ السياق القرآني طريقاً آخر للإيحاء إلى نفس صاحب الدعوة بالرضى والقبول، وذكر الله عند
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 3 صفحه : 1419