responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 6  صفحه : 219
يَقُولُ هَؤُلَاءِ الْعُمْيَانُ الْمَنْكُوسُونَ وَالْأَغْبِيَاءُ الْمَرْكِسُونَ: إِنَّ الطَّهَارَةَ وَالْآدَابَ يَجِبُ أَنْ تُؤْتَى لِمَنْفَعَتِهَا وَفَائِدَتِهَا الْمُتَرَتِّبَةِ عَلَيْهَا ; لَا لِأَنَّ اللهَ تَعَالَى أَمَرَ بِهَا وَيُثِيبُ عَلَى فِعْلِهَا وَيُعَاقِبُ عَلَى تَرْكِهَا، وَيَزْعُمُونَ أَنَّ الدِّينَ يَحُولُ دُونَ هَذِهِ الْفَلْسَفَةِ الْعَالِيَةِ الَّتِي ارْتَقَوْا إِلَيْهَا، وَيُفْسِدُ نَفْسَ الْإِنْسَانِ بِتَخْوِيفِهِ مِنَ الْعِقَابِ، وَيَحْجُبُهُ عَنْ مَعْرِفَةِ الْوَاجِبِ وَالْعَمَلِ بِهِ لِأَنَّهُ الْوَاجِبُ - أَيْ حِجَابٌ - وَيَحْتَجُّونَ عَلَى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ هُمْ وَأَمْثَالُهُمْ، مِمَّنْ لَا دِينَ لَهُمْ، أَنْظَفُ ثِيَابًا وَأَبْدَانًا مِنْ جُمْهُورِ الْمُتَدَيِّنِينَ، حَتَّى الْمُتَنَطِّعِينَ مِنْهُمْ فِي الطَّهَارَةِ وَالْمُوَسْوِسِينَ، وَمَنْ يَعُدُّهُمُ الْجُمْهُورُ مِنَ الْأَوْلِيَاءِ وَالْقِدِّيسِينَ. وَنَقُولُ فِي كَشْفِ شُبْهَتِهِمْ وَإِظْهَارِ جَهَالَتِهِمْ: (أَوَّلًا) : إِنَّ الدِّينَ الْإِسْلَامِيَّ الذى لَا يُوجَدُ فِي الْأَرْضِ دِينٌ سَمَاوِيٌّ سِوَاهُ ثَابِتُ الْأَصْلِ، سَامِقُ الْفَرْعِ، لَمْ يُشَرِّعْ لِلنَّاسِ شَيْئًا إِلَّا مَا كَانَ فِيهِ دَفْعٌ لِضَرَرٍ أَوْ مَفْسَدَةٍ، أَوْ جَلْبٌ لِنَفْعٍ أَوْ مَصْلَحَةٍ، وَهُوَ يَهْدِي النَّاسَ إِلَى مَعْرِفَةِ أَحْكَامِهِ مَعَ مَعْرِفَةِ حِكَمِهَا الْكَاشِفَةِ لَهُمْ عَنْ فَوَائِدِهَا وَمَنَافِعِهَا (كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ) (2: 151) فَمَا يَتَبَجَّحُونَ بِهِ مِنْ الِاهْتِدَاءِ إِلَى وُجُوبِ الْقِيَامِ بِالْأَعْمَالِ وَالْآدَابِ، مَعَ مُرَاعَاةِ مَنَافِعِهَا
وَفَوَائِدِهَا، هُوَ مِمَّا هَدَى إِلَيْهِ الْإِسْلَامُ الذى عَظَّمَ أَمْرَ حُسْنِ النِّيَّةِ فِي جَمِيعِ الْأُمُورِ، وَحَثَّ عَلَى طَلَبِ الْحِكْمَةِ فِي كُلِّ عَمَلٍ.
وَ (ثَانِيًا) : إِنَّ أَمْرَ الْأُمَمِ بِالْأَعْمَالِ وَالْآدَابِ الَّتِي تُفِيدُهَا فِي مَصَالِحِهَا الِاجْتِمَاعِيَّةِ، وَمَنَافِعِ أَفْرَادِهَا الشَّخْصِيَّةِ، وَنَهْيَهَا عَنِ الْأَفْعَالِ الَّتِي تَضُرُّ الْأَفْرَادَ وَالْجُمْهُورَ لَا يُقْبَلَانِ وَيُمْتَثَلَانِ بِمُجَرَّدِ تَعْلِيلِهِمَا بِدَفْعِ الضُّرِّ وَجَلْبِ النَّفْعِ كَمَا يَزْعُمُونَ ; لِأَمْرَيْنِ: (أَحَدُهُمَا) أَنَّ إِقْنَاعَكَ جَمِيعَ أَفْرَادِ الْأُمَّةِ أَوْ أَكْثَرَهَا بِضَرَرِ كُلِّ مَا تَرَاهُ ضَارًّا وَنَفْعِ كُلِّ مَا تَرَاهُ نَافِعًا مُتَعَذِّرٌ، وَلَمْ يَتَّفِقْ لِأَحَدٍ مِنَ الْعُقَلَاءِ وَالْحُكَمَاءِ إِرْجَاعُ أُمَّةٍ مِنَ الْأُمَمِ عَنْ عَمَلٍ ضَارٍّ، وَلَا حَمْلُهَا عَلَى عَمَلٍ نَافِعٍ بِمُجَرَّدِ دَعْوَتِهِمْ إِلَى ذَلِكَ بِالدَّلِيلِ عَلَى نَفْعِ النَّافِعِ وَضَرَرِ الضَّارِّ، وَلَا تَرَى أُمَّةً وَلَا قَبِيلَةً مِنَ الْبَشَرِ مُتَّفِقَةً عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ إِلَّا بِسَبَبِ دَعْوَةٍ دِينِيَّةٍ أَوْ تَقَالِيدَ أَوْصَلَهُمْ إِلَيْهَا اخْتِبَارُهُمُ الْمُوَافِقُ لِطَبِيعَةِ مَعَاشِهِمْ، وَكَثِيرًا مَا تَكُونُ هَذِهِ التَّقَالِيدُ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهَا بَيْنَ قَوْمٍ مُخْتَلَفًا فِيهَا عِنْدَ آخَرِينَ، أَوْ مُتَّفَقًا عَلَى ضَرَرِ مَا يَرَاهُ أُولَئِكَ نَافِعًا، وَنَفْعِ مَا يَرَوْنَهُ ضَارًّا.
(ثَانِي الْأَمْرِ) : أَنَّ مُجَرَّدَ الْإِقْنَاعِ وَالِاقْتِنَاعِ بِضَرَرِ الضَّارِّ وَنَفْعِ النَّافِعِ لَا يُوجِبُ الْعَمَلَ وَلَا التَّرْكَ ; لِأَنَّهُ قَدْ يُعَارِضُهُ هَوَى النَّفْسِ وَلَذَّتُهَا فَيُرَجِّحُ الْكَثِيرُونَ أَوِ الْأَكْثَرُونَ الْهَوَى عَلَى الْمَنْفَعَةِ، خُصُوصًا إِذَا كَانَتْ لِأُمَّتِهِمْ لَا لِأَشْخَاصِهِمْ، وَإِنَّنَا نَرَى هَؤُلَاءِ الْمُعْتَرِضِينَ الْمَسَاكِينَ يَشْرَبُونَ الْخَمْرَ، وَهُمْ يَعْتَقِدُونَ أَنَّهَا ضَارَّةٌ، وَقَدْ أَفْقَرَ الْقِمَارُ بُيُوتَ أَمْثَلِهِمْ وَأَشْهَرِهِمْ، وَأَذَلَّ مَنْ أَذَلَّ مِنْهُمْ بِالدَّيْنِ وَالْحَجْزِ عَلَى مَا يَمْلِكُ، وَبَيْعِهِ حَتَّى قِيلَ

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 6  صفحه : 219
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست