responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 6  صفحه : 218
الْبَاطِنِ، وَالْإِسْلَامُ وَسَطٌ بَيْنَهُمَا، يَأْمُرُ بِالْجَمْعِ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ مِنْهُمَا، وَإِنِ اشْتَبَهَ ذَلِكَ عَلَى بَعْضِ الْمُحَقِّقِينَ حَتَّى هَوَّنُوا أَمْرَ نَظَافَةِ الظَّاهِرِ فِي بَعْضِ كُتُبِهِمْ، مَعَ ذِكْرِهِمْ لِأَدِلَّتِهَا فِي تِلْكَ الْكُتُبِ، وَاللهُ تَعَالَى يَقُولُ: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا) (2: 143) وَلِأَجْلِ هَذَا قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الطَّهُورُ شَطْرُ الْإِيمَانِ " رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ، وَلَهُ تَتِمَّةٌ، وَذَلِكَ أَنَّ الْإِنْسَانَ مُرَكَّبٌ مِنْ جَسَدٍ وَنَفْسٍ، وَكَمَالُهُ إِنَّمَا يَكُونُ بِنَظَافَةِ بَدَنِهِ، وَتَزْكِيَةِ نَفْسِهِ ; فَالطَّهُورُ الْحِسِّيُّ هُوَ الشَّطْرُ الْأَوَّلُ الْخَاصُّ بِالْجَسَدِ، وَتَزْكِيَةُ النَّفْسِ بِسَائِرِ الْعِبَادَاتِ هُوَ الشَّطْرُ الثَّانِي، وَبِكِلْتَيْهِمَا يَكْمُلُ الْإِيمَانُ بِالْأَعْمَالِ الْمُتَرَتِّبَةِ عَلَيْهِ.
وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ مَا وَرَدَ مِنْ تَأْكِيدِ الْأَمْرِ بِالْغُسْلِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالطِّيبِ، وَلِبْسِ الثِّيَابِ النَّظِيفَةِ ; لِأَنَّهُ يَوْمُ عِيدِ الْأُسْبُوعِ، يَجْتَمِعُ النَّاسُ فِيهِ عَلَى عِبَادَةِ اللهِ تَعَالَى، فَيُطْلَبُ فِيهِ مَا يُطْلَبُ فِي عِيدَيِ السَّنَةِ، وَوَرَدَ فِي أَسْبَابِ الْأَمْرِ بِالْغُسْلِ فِيهِ خَاصَّةً أَنَّ بَعْضَ الصَّحَابَةِ كَانُوا يَتْرُكُونَ فِيهِ أَعْمَالَهُمْ قُبَيْلَ وَقْتِ الصَّلَاةِ، فَتُشَمُّ رَائِحَةُ الْعَرَقِ مِنْهُمْ، وَلَا تَكُونُ أَبْدَانُهُمْ نَظِيفَةً، وَفِي بَعْضِ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ أَنَّهُمْ كَانُوا يَلْبَسُونَ الصُّوفَ، فَإِذَا عَرِقُوا عَلَتْ رَائِحَتُهُ حَتَّى شَمَّهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّةً وَهُوَ يَخْطُبُ، فَكَانَ يَأْمُرُهُمْ بِالْغُسْلِ وَالطِّيبِ وَالثِّيَابِ النَّظِيفَةِ لِأَجْلِ هَذَا، رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ وَغَيْرُهُ. وَقَدْ رَوَى مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ عِدَّةِ طُرُقٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " غُسْلُ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ "؛ أَيْ بَالِغٍ مُكَلَّفٍ. وَحَكَى ابْنُ حَزْمٍ الْقَوْلَ بِوُجُوبِ غُسْلِ الْجُمُعَةِ عَنْ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَعَمْرِو بْنِ سُلَيْمٍ وَعَطَاءٍ وَكَعْبٍ وَالْمُسَيَّبِ بْنِ رَافِعٍ وَسُفْيَانَ
الثَّوْرِيِّ وَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ، وَلَكِنَّ الْمَالِكِيَّةَ وَالشَّافِعِيَّةَ عَلَى كَوْنِهِ سُنَّةً مُؤَكَّدَةً، وَالْوُجُوبُ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي الْقَدِيمِ، وَرِوَايَةٌ عَنْهُ فِي الْجَدِيدِ، وَعَارَضَ الْقَائِلُونَ بِأَنَّهُ سُنَّةٌ حَدِيثَ الْوُجُوبِ بِمَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ التَّأْكِيدَ لِصِحَّةِ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ مِمَّنْ تَوَضَّأَ فَقَطْ، وَقَالَ الظَّاهِرِيَّةُ: إِنَّهُ وَاجِبٌ لِلْيَوْمِ، وَلَيْسَ شَرْطًا لِصِحَّةِ صَلَاتِهَا، وَقَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ: إِنَّ أَدِلَّةَ وُجُوبِهِ أَقْوَى مِنْ أَدِلَّةِ وُجُوبِ الْوُضُوءِ مِنْ لَمْسِ الْمَرْأَةِ وَمَسِّ الْفَرْجِ وَالْقَيْءِ وَالدَّمِ.
شُبَهَاتُ الْمَلَاحِدَةِ عَلَى جَعْلِ الطَّهَارَةِ عِبَادَةً: تِلْكَ فَوَائِدُ الطَّهَارَةِ الذَّاتِيَّةِ لَهَا الَّتِي شُعِرَتْ لِأَجْلِهَا، وَأَمَّا فَوَائِدُهَا الدِّينِيَّةُ، وَجَعْلُهَا عِبَادَةً وَدِينًا، فَإِنَّنَا قَبْلَ بَيَانِهَا نُنَبِّهُ أَذْهَانَ الْمُؤْمِنِينَ إِلَى جَهَالَةِ بَعْضِ الْمُعَطِّلِينَ، الَّذِينَ يَنْتَقِدُونَ جَعْلَ الطَّهَارَةِ مِنَ الدِّينِ، وَيَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ يَنْطِقُونَ بِحَقَائِقِ الْفَلْسَفَةِ، وَلَا نَصِيبَ لَهُمْ مِنْهَا إِلَّا السَّفَهَ وَالتَّقْلِيدَ فِي الْكُفْرِ مِنْ غَيْرِ بَيِّنَةٍ وَلَا عُذْرٍ: عُمْيُ الْقُلُوبِ عَمُوا عَنْ كُلِّ فَائِدَةٍ لِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللهِ تَقْلِيدًا

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 6  صفحه : 218
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست