responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 6  صفحه : 220
إِنَّهُ أَمَاتَ بَعْضَهُمْ غَمًّا وَكَمَدًا، وَنَرَاهُمْ مَعَ ذَلِكَ مَفْتُونِينَ بِهِ لَا يَتْرُكُونَهُ، فَإِذَا كَانَ هَذَا شَأْنَ أَرْقَاهُمْ عِلْمًا وَفَهْمًا وَأَدَبًا وَفَلْسَفَةً فِي اتِّبَاعِ أَهْوَائِهِمُ الَّتِي ثَبَتَ لَهُمْ ضَرَرُهَا بِالِاخْتِبَارِ وَالْعِيَانِ، وَلَيْسَ وَرَاءَ ذَلِكَ بُرْهَانٌ؛ فَكَيْفَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُ يُمْكِنُ تَهْذِيبُ الْأُمَّةِ بِالْإِقْنَاعِ الْعَقْلِيِّ عَلَى تَعَذُّرِهِ، وَمَا عَرَفُوا مِنْ أَثَرِهِ؟ ! وَأَمَّا مَا يَعْنُونَ بِهِ مِنَ النَّظَافَةِ وَبَعْضِ الْآدَابِ، فَإِنَّهُمْ لَا يَأْتُونَهُ لِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْفَلْسَفَةِ وَالْعِلْمِ بِنَفْعِهِ، بَلْ قَلَّدُوا فِيهِ قَوْمًا اهْتَدَوْا إِلَيْهِ بِأَسْبَابٍ اجْتِمَاعِيَّةٍ عِلْمِيَّةٍ وَعَمَلِيَّةٍ، وَتَجَارِبَ وَاخْتِبَارَاتٍ عِدَّةَ قُرُونٍ. حَدَّثَنِي رَجُلٌ مِنْ أَرْقَى الْأُمَّةِ الْإِنْكِلِيزِيَّةِ أَخْلَاقًا وَأَدَبًا وَعِلْمًا وَاسْتِقْلَالًا - وَهُوَ مِسْتَرْ مِتْشِل أَنَس
الَّذِي كَانَ وَكِيلَ نِظَارَةِ الْمَالِيَّةِ بِمِصْرَ - أَنَّهُ لَا يَزَالُ يُوجَدُ فِي أُورُبَّا مَنْ لَا يَغْتَسِلُ فِي سَنَتِهِ أَوْ فِي عُمْرِهِ وَلَا مَرَّةً وَاحِدَةً، وَأَنَّ الشَّعْبَ الْإِنْكِلِيزِيَّ هُوَ أَشَدُّ الشُّعُوبِ الْأُورُبِّيَّةِ عِنَايَةً بِالنَّظَافَةِ، وَالْقُدْوَةُ لَهَا فِيهَا، كَمَا يَظْهَرُ ذَلِكَ لِكُلِّ مُسَافِرٍ فِي الْبَوَاخِرِ الَّتِي يُسَافِرُ فِيهَا كَثِيرٌ مِنَ الْأُورُوبِّيِّينَ الْمُخْتَلِفِي الْأَجْنَاسِ، وَأَنَّ الْإِنْكِلِيزَ قَدْ تَعَلَّمُوا الِاسْتِحْمَامَ وَكَثْرَةَ الْغُسْلِ مِنْ أَهْلِ الْهِنْدِ.
وَمِنْ دَلَائِلَ تَقْلِيدِ هَؤُلَاءِ الْمُتَفَرْنِجِينَ الْمَسَاكِينِ فِي النَّظَافَةِ الظَّاهِرَةِ، وَأَنَّهُمْ لَيْسُوا فِيهَا عَلَى شَيْءٍ مِنَ الْعَقْلِ وَالْفَلْسَفَةِ، أَنَّهُمْ فِي غَسْلِ الْأَطْرَافِ يَسْتَبْدِلُونَ مَا يُسَمُّونَهُ " التُّوَالِيتَّ " بِالْوُضُوءِ الَّذِي هُوَ أَكْمَلُ مِنْهُ وَأَنْفَعُ، وَأَنَّ مَنْ يُعْنَى مِنْهُمْ بِأَسْنَانِهِ يَسْتَبْدِلُ فِي تَنْظِيفِهَا " الْفُرْشَةَ " بِمِسْوَاكِ الْأَرَاكِ، وَهُوَ أَنْفَعُ مِنْهَا بِشَهَادَةِ أَئِمَّتِهِمُ الْإِفْرِنْجِ، كَمَا قَالَ أَحَدُ الْأَطِبَّاءِ الْأَلْمَانِيِّينَ لِمَنْ أَوْصَاهُ بِأَسْنَانِهِ: " عَلَيْكَ بِشَجَرَةِ مُحَمَّدٍ " صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ جَاءَ فِي مَجَلَّةِ (غَازِتَةِ بَارِيسَ الطِّبِّيَّةِ) تَحْتَ عُنْوَانِ " عِنَايَةِ الْعَرَبِ بِالْفَمِ ": " بِتَأْثِيرِ السِّوَاكِ تَصِيرُ الْأَسْنَانُ نَاصِعَةَ الْبَيَاضِ، وَاللِّثَةُ وَالشَّفَتَانِ جَمِيلَةَ اللَّوْنِ الْأَحْمَرِ، إِلَى أَنْ قَالَتْ: وَإِنَّهُ لَيَسُوؤُنَا أَلَّا تَكُونَ عِنَايَتُنَا بِأَفْوَاهِنَا، وَنَحْنُ أَهْلُ الْمَدَنِيَّةِ، كَعِنَايَةِ الْعَرَبِ بِهَا، وَقَالُوا: إِنَّ مَا فِي عُودِ الْأَرَاكِ مِنَ الْمَادَّةِ الْعَفَصِيَّةِ الْعَطِرَةِ يَشُدُّ اللِّثَةَ، وَيَحُولُ دُونَ حَفْرِ الْأَسْنَانِ، وَإِنَّهُ يُقَوِّي الْمَعِدَةَ عَلَى الْهَضْمِ، وَيَدِرُّ الْبَوْلَ، وَقَدْ فَاتَنَا أَنَّ نَذْكُرَ هَذَا عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى السِّوَاكِ.
وَ (ثَالِثًا) : إِذَا ثَبَتَ بِالْعَقْلِ وَالْبُرْهَانِ وَالِاخْتِبَارِ وَالْعِيَانِ أَنَّ إِقْنَاعَ أُمَّةٍ مِنَ الْأُمَمِ بِالنَّفْعِ وَالضَّرَرِ مُتَعَذِّرٌ، وَأَنَّ حَمْلَهَا عَلَى تَرْكِ الضَّارِّ وَعَمَلِ النَّافِعِ لِلْأَفْرَادِ وَلِلْجُمْهُورِ ; لِأَنَّهُ نَافِعٌ، غَيْرُ كَافٍ فِي هِدَايَتِهَا، ثَبَتَ أَنَّ إِصْلَاحَ شَأْنِهَا بِالْفَضِيلَةِ وَالْآدَابِ، وَتَرْكِ الْمَضَارِّ، وَالِاجْتِهَادِ فِي سَبِيلِ الْمَنَافِعِ، يَتَوَقَّفُ عَلَى تَأْثِيرِ مُؤَثِّرٍ آخَرَ يَكُونُ لَهُ السُّلْطَانُ الْأَعْلَى عَلَى النَّفْسِ؛ وَهُوَ الدِّينُ، فَثَبَتَ بِهَذَا أَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ مَعْرِفَةِ حُكْمِ الْأَعْمَالِ، وَكَوْنِهَا طَاعَةً لِلَّهِ تَعَالَى تُؤَهِّلُ الْعَامِلَ لِسَعَادَةِ النَّفْسِ فِي الْآخِرَةِ، كَمَا يَسْتَفِيدُ بِهَا مَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا مِنَ الْمَنْفَعَةِ فِي الدُّنْيَا، هُوَ الَّذِي يُرْجَى أَنْ يُذْعِنَ لَهُ جُمْهُورُ الْأُمَّةِ، فَمِنَ النَّاسِ مَنْ لَا يَطْمَئِنُّ قَلْبُهُ بِالْإِيمَانِ وَالْإِذْعَانِ لِأَحْكَامِ الدِّينِ إِلَّا إِذَا عَرَفَ حِكْمَةَ كُلِّ أَصْلٍ مِنْ أُصُولِهِ، وَكُلِّ حُكْمٍ مِنْ كُلِّيَّاتِ

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 6  صفحه : 220
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست