responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 2  صفحه : 37
السَّعْيُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ مِنْ هَذَا النَّوْعِ التَّعَبُّدِيِّ، فَهُوَ مَطْلُوبٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: (فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا) حَجُّ الْبَيْتِ: قَصْدُهُ لِلنُّسُكِ وَالْإِتْيَانُ بِالْمَنَاسِكِ الْمَعْرُوفَةِ هُنَالِكَ، وَسَيَأْتِي تَفْصِيلُهَا فِي هَذَا الْجُزْءِ. وَالِاعْتِمَارُ: مَنَاسِكُ الْعُمْرَةِ وَهِيَ دُونُ مَنَاسِكِ الْحَجِّ، فَلَيْسَ فِي الْعُمْرَةِ وُقُوفٌ بِعَرَفَةَ وَلَا مَبِيتٌ بِمُزْدَلِفَةَ وَلَا رَمْيُ جِمَارٍ فِي مِنًى. وَالْجُنَاحُ بِالضَّمِّ: الْمَيْلُ إِلَى الْإِثْمِ، كَجُنُوحِ السَّفِينَةِ إِلَى وَحْلٍ تَرْتَطِمُ فِيهِ، وَالْإِثْمُ نَفْسُهُ وَأَصْلُهُ مِنْ جَنَاحِ الطَّائِرِ. وَيَطَّوَّفُ بِتَشْدِيدِ الْوَاوِ مِنَ التَّطَوُّفِ وَهُوَ تَكْرَارُ الطَّوَافِ أَوْ تَكَلُّفُهُ.
وَالْمَعْنَى فَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ جِنْسِ الْجُنَاحِ - وَهُوَ الْمَيْلُ وَالِانْحِرَافُ عَنْ جَادَّةِ النُّسُكِ - فِي التَّطَوُّفِ بِهِمَا، وَهَذَا التَّطَوُّفُ هُوَ الَّذِي عُرِفَ فِي الِاصْطِلَاحِ بِالسَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَفَسَّرَتْهُ السُّنَّةُ بِالْعَمَلِ، وَهُوَ مِنْ مَنَاسِكِ الْحَجِّ بِالْإِجْمَاعِ وَالْعَمَلِ الْمُتَوَاتِرِ، وَإِذَا كَانَ مَشْرُوعًا فَسَوَاءٌ كَانَ رُكْنًا كَمَا يَقُولُ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمَا، أَوْ وَاجِبًا كَمَا يَقُولُ الْحَنَفِيَّةُ، أَوْ مَنْدُوبًا كَمَا رُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ.
وَقَالُوا فِي حِكْمَةِ التَّعْبِيرِ عَنْهُ بِنَفْيِ الْجُنَاحِ الَّذِي يَصْدُقُ بِالْمُبَاحِ: إِنَّهُ لِلْإِشَارَةِ إِلَى تَخْطِئَةِ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ كَانُوا يُنْكِرُونَ كَوْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ مِنَ الشَّعَائِرِ، وَأَنَّ السَّعْيَ بَيْنَهُمَا مِنْ مَنَاسِكِ إِبْرَاهِيمَ، فَهُوَ لَا يُنَافِي الطَّلَبَ جَزْمًا. وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا) فِي هَذَا التَّطَوُّفِ وَغَيْرِهِ أَوْ كَرَّرَ الْحَجَّ أَوِ الْعُمْرَةَ فَزَادَ عَلَى الْفَرِيضَةِ ; أَيْ: تَحَمَّلَهُ طَوْعًا - كَمَا قَالَ الرَّاغِبُ - فَإِنَّ التَّطَوُّعَ فِي اللُّغَةِ: الْإِتْيَانُ بِمَا فِي الطَّوْعِ أَوْ بِالطَّاعَةِ أَوْ تَكَلُّفُهَا أَوِ الْإِكْثَارُ مِنْهَا، وَأُطْلِقَ عَلَى التَّبَرُّعِ بِالْخَيْرِ ; لِأَنَّهُ طَوْعٌ لَا كُرْهَ وَلَا إِكْرَاهَ فِيهِ، وَعَلَى الْإِكْثَارِ مِنَ الطَّاعَةِ بِالزِّيَادَةِ عَلَى الْوَاجِبِ وَمِنْهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ الْأَعْرَابِيِّ: ((إِلَّا أَنْ تَطَوَّعَ)) أَيْ تَزِيدَ عَلَى الْفَرِيضَةِ (فَإِنَّ اللهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ) أَيْ: فَإِنَّ اللهَ يُثِيبُهُ ; لِأَنَّهُ شَاكِرٌ يَجْزِي عَلَى الْإِحْسَانِ، عَلِيمٌ بِمَنْ يَسْتَحِقُّ الْجَزَاءَ.
وَرَوَى الْبُخَارِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ لِلسَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ أَصْلًا
مِنْ ذِكْرَى نَشْأَةِ الدِّينِ الْأُولَى بِمَكَّةَ فِي عَهْدِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ كَغَيْرِهِ مِنْ شَعَائِرِ اللهِ؟ وَخُلَاصَتُهُ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ بَيْنَ إِبْرَاهِيمَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَامْرَأَتِهِ (سَارَّةَ) مَا كَانَ (مِنْ حَمْلِهَا إِيَّاهُ عَلَى طَرْدِ سُرِّيَّتِهِ هَاجَرَ مَعَ طِفْلِهَا إِسْمَاعِيلَ وَهُوَ مَذْكُورٌ فِي الْفَصْلِ 21 مِنْ سِفْرِ التَّكْوِينِ) خَرَجَ بِهِمَا إِلَى بَرِّيَّةِ فَارَّانِ (أَيْ مَكَّةَ) فَوَضَعَهُمَا فِي مَكَانِ زَمْزَمَ تَحْتَ دَوْحَةٍ وَلَمْ يَكُنْ هُنَالِكَ سُكَّانٌ وَلَا مَاءٌ، وَوَضَعَ عِنْدَهَا جِرَابًا فِيهِ تَمْرٌ - وَفِي سِفْرِ التَّكْوِينِ أَنَّهُ زَوَّدَهَا بِخُبْزٍ - وَسِقَاءً فِيهِ مَاءٌ ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَتْ لَهُ: إِلَى مَنْ تَتْرُكُنَا؟ قَالَ: ((إِلَى اللهِ)) قَالَتْ: رَضِيتُ بِاللهِ. وَهُنَالِكَ دَعَا إِبْرَاهِيمُ بِمَا حَكَاهُ اللهُ عَنْهُ فِي سُورَتِهِ: (رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ) إِلَى قَوْلِهِ -

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 2  صفحه : 37
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست