responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 2  صفحه : 38
(يَشْكُرُونَ) (14: 37) فَلَمَّا نَفِدَ الْمَاءُ عَطِشَتْ وَجَفَّ لَبَنُهَا وَعَطِشَ وَلَدُهَا فَجَعَلَ يَتَلَوَّى وَيَنْشَغُ (يَشْهَقُ لِلْمَوْتِ) فَكَانَتْ تَذْهَبُ فَتَصَعَدُ الصَّفَا تَنْظُرُ هَلْ تَرَى أَحَدًا فَلَمْ تُحِسَّ أَحَدًا، ثُمَّ تَذْهَبُ فَتَصَعَدُ الْمَرْوَةَ فَلَمْ تَرَ أَحَدًا، ثُمَّ تَرْجِعُ إِلَى وَلَدِهَا فَتَرَاهُ يَنْشَغُ، فَعَلَتْ ذَلِكَ سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ، وَبَعْدَ الْأَخِيرِ وَجَدَتْ عِنْدَهُ صَوْتًا فَقَالَتْ: أَغِثْ إِنْ كَانَ عِنْدَكَ غَوَاثٌ، فَإِذَا هِيَ بِالْمَلَكِ جِبْرِيلَ عِنْدَ زَمْزَمَ فَغَمَزَ بِعَقِبِهِ الْأَرْضَ فَانْبَثَقَ الْمَاءُ فَجَعَلَتْ تَشْرَبُ وَيَدِرُّ لَبَنُهَا عَلَى صَبِيِّهَا، وَمَرَّ نَاسٌ مَنْ جُرْهُمَ بِالْوَادِي فَإِذَا هُمْ بِطَيْرٍ عَائِفَةٍ - أَيْ تُخُومٍ عَلَى الْمَاءِ - فَاهْتَدَوْا إِلَيْهِ وَأَقَامُوا عِنْدَهُ وَنَشَأَ إِسْمَاعِيلُ مَعَهُمْ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لَمَا ذَكَرَ سَعْيَهَا بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ: قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ((فَذَلِكَ سَعْيُ النَّاسِ بَيْنَهُمَا)) .
(الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ) وَصْفُ الْبَارِي تَعَالَى بِالشَّاكِرِ لَا يَظْهَرُ عَلَى حَقِيقَتِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ حَمْلِهِ عَلَى الْمَجَازِ، فَالشُّكْرُ فِي اللُّغَةِ: مُقَابَلَةُ النِّعْمَةِ وَالْإِحْسَانُ بِالثَّنَاءِ وَالْعِرْفَانِ، وَشُكْرُ النَّاسِ لِلَّهِ فِي اصْطِلَاحِ الشَّرْعِ: عِبَارَةٌ عَنْ صَرْفِ نِعَمِهِ فِيمَا خُلِقَتْ لِأَجْلِهِ، وَكِلَاهُمَا لَا يَظْهَرُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى اللهِ تَعَالَى، إِذْ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ لِأَحَدٍ عِنْدَهُ يَدٌ أَوْ يَنَالُهُ مِنْ أَحَدٍ نِعْمَةٌ يَشْكُرُهَا لَهُ بِهَذَا الْمَعْنَى.
فَالْمَعْنَى إِذَنْ أَنَّ اللهَ تَعَالَى قَادِرٌ عَلَى إِثَابَةِ الْمُحْسِنِينَ، وَأَنَّهُ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْعَامِلِينَ، فَبِهَذَا الْمَعْنَى سُمِّيَتْ مُقَابَلَةُ الْعَامِلِ بِالْجَزَاءِ الَّذِي يَسْتَحِقُّهُ شُكْرًا، وَسَمَّى اللهُ تَعَالَى نَفْسَهُ شَاكِرًا. وَأَزِيدُ عَلَى قَوْلِ الْأُسْتَاذِ: أَنَّ اللهَ تَعَالَى وَعَدَ الشَّاكِرِينَ لِنِعَمِهِ بِالْمَزِيدِ مِنْهَا، فَسُمِّيَ هَذَا شُكْرًا مِنْ بَابِ الْمُشَاكَلَةِ.
وَالنُّكْتَةُ فِي اخْتِيَارِ هَذَا التَّعْبِيرِ تَعْلِيمُنَا الْأَدَبَ، فَقَدْ عَلَّمَنَا سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِهَذَا أَدَبًا مِنْ أَكْمَلِ الْآدَابِ بِمَا سَمَّى إِحْسَانَهُ وَإِنْعَامَهُ عَلَى الْعَامِلِينَ شُكْرًا لَهُمْ مَعَ أَنَّ عِلْمَهُمْ
لَا يَنْفَعُهُ وَلَا يَدْفَعُ عَنْهُ ضُرًّا، فَيَكُونُ إِنْعَامًا عَلَيْهِ وَيَدًا عِنْدَهُ، وَإِنَّمَا مَنْفَعَتُهُ لَهُمْ، فَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ مِنْ نِعَمِهِ عَلَيْهِمْ إِذْ هَدَاهُمْ إِلَيْهِ وَأَقْدَرَهُمْ عَلَيْهِ، فَهَلْ يَلِيقُ بِمَنْ يَفْهَمُ هَذَا الْخِطَابَ الْأَعْلَى أَنْ يَرَى نِعَمَ اللهِ عَلَيْهِ لَا تُعَدُّ وَلَا تُحْصَى وَهُوَ لَا يَشْكُرُهُ وَلَا يَسْتَعْمِلُ نِعَمَهُ فِيمَا سِيقَتْ لِأَجْلِهِ؟ ثُمَّ هَلْ يَلِيقُ بِهِ أَنْ يَرَى بَعْضَ النَّاسِ يُسْدِي إِلَيْهِ مَعْرُوفًا ثُمَّ لَا يَشْكُرُهُ لَهُ وَلَا يُكَافِئُهُ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ هُوَ فَوْقَ صَاحِبِ الْمَعْرُوفِ رُتْبَةً وَأَعْلَى مِنْهُ طَبَقَةً؟ فَكَيْفَ وَقَدْ سَمَّى اللهُ - تَعَالَى جَدُّهُ وَجَلَّ ثَنَاؤُهُ - إِنْعَامَهُ عَلَى مَنْ يُحْسِنُونَ إِلَى أَنْفُسِهِمْ وَإِلَى النَّاسِ شُكْرًا، وَاللهُ الْخَالِقُ وَهُمُ الْمَخْلُوقُونَ، وَهُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ وَهُمُ الْفُقَرَاءُ الْمُعْوِزُونَ؟ .
شُكْرُ النِّعْمَةِ وَالْمُكَافَأَةُ عَلَى الْمَعْرُوفِ مِنْ أَرْكَانِ الْعُمْرَانِ، وَتَرْكُ الشُّكْرِ وَالْمُكَافَأَةِ مَفْسَدَةٌ لَا تُضَاهِيهَا مَفْسَدَةٌ ; إِذْ هِيَ مَدْعَاةُ تَرْكِ الْمَعْرُوفِ كَمَا أَنَّ الشُّكْرَ مَدْعَاةُ الْمَزِيدِ ; وَلِذَلِكَ أَوْجَبَ اللهُ تَعَالَى عَلَيْنَا شُكْرَهُ، وَجَعَلَ فِي ذَلِكَ مَصْلَحَتَنَا وَمَنْفَعَتَنَا ; لِأَنَّ كُفْرَانَ نِعَمِهِ بِإِهْمَالِهَا

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 2  صفحه : 38
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست