responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 2  صفحه : 36
الْحَجِّ، وَكُلُّ مَا جُعِلَ عَلَمًا لِطَاعَةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ. وَقَالَ الزَّجَاجُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: (لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللهِ) أَيْ جَمِيعَ مُتَعَبَّدَاتِهِ الَّتِي أَشْعَرَهَا اللهُ ; أَيْ:
جَعَلَهَا إِعْلَامًا لَنَا إِلَخْ، فَهُوَ يُرِيدُ أَنَّ الشَّعَائِرَ مِنْ أَشْعَرَهُ بِالشَّيْءِ: أَعْلَمَهُ بِهِ. وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ وَلَكِنَّهُ لَا يَدُلُّ بِهَذَا عَلَى مَعْنَى التَّعَبُّدِ ; إِذْ قَدْ أَعْلَمَنَا اللهُ تَعَالَى بِالْأَحْكَامِ الَّتِي لَا تَعَبُّدَ فِيهَا أَيْضًا، وَالشَّعَائِرُ لَمْ تُطْلَقْ فِي الْقُرْآنِ إِلَّا عَلَى مَنَاسِكِ الْحَجِّ الِاجْتِمَاعِيَّةِ، وَأَلْحَقَ بِهَا بَعْضُهُمْ مَا فِي مَعْنَاهَا مِنْ عِبَادَاتِ الْإِسْلَامِ الِاجْتِمَاعِيَّةِ كَالْأَذَانِ وَصَلَاةِ الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ.
(الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ) فِي الْأَحْكَامِ الَّتِي شَرَعَهَا اللهُ تَعَالَى نَوْعٌ يُسَمَّى بِالشَّعَائِرِ، وَمِنْهَا مَا لَا يُسَمَّى بِذَلِكَ كَأَحْكَامِ الْمُعَامَلَاتِ كَافَّةً ; لِأَنَّهَا شُرِعَتْ لِمَصَالِحِ الْبَشَرِ فَلَهَا عِلَلٌ وَأَسْبَابٌ يَسْهُلُ عَلَى كُلِّ إِنْسَانٍ أَنْ يَفْهَمَهَا فَهَذَا أَحَدُ أَقْسَامِ الشَّرَائِعِ، وَالْقِسْمُ الثَّانِي: هُوَ مَا تَعَبَّدَنَا اللهُ تَعَالَى بِهِ كَالصَّلَاةِ عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ، وَكَالتَّوَجُّهِ فِيهَا إِلَى مَكَانٍ مَخْصُوصٍ سَمَّاهُ اللهُ بَيْتَهُ مَعَ أَنَّهُ مِنْ خَلْقِهِ كَسَائِرِ الْعَالَمِ. فَهَذَا شَيْءٌ شَرَعَهُ اللهُ وَتَعَبَّدَنَا بِهِ لِعِلْمِهِ بِأَنَّ فِيهِ مَصْلَحَةً لَنَا وَلَكِنَّنَا نَحْنُ لَا نَفْهَمُ سِرَّ ذَلِكَ تَمَامَ الْفَهْمِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ.
أَقُولُ: وَهَذَا النَّوْعُ يُوقَفُ فِيهِ عِنْدَ نَصِّ مَا شَرَعَهُ اللهُ تَعَالَى، لَا يُزَادُ فِيهِ وَلَا يُنْقَصُ مِنْهُ وَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِ، وَلَا يُؤْخَذُ فِيهِ بِرَأْيِ أَحَدٍ وَلَا بِاجْتِهَادِهِ، إِذْ لَوْ أُبِيحَ لِلنَّاسِ الزِّيَادَةُ فِي شَعَائِرِ الدِّينِ بِاجْتِهَادِهِمْ فِي عُمُومِ لَفْظٍ أَوْ قِيَاسٍ لَأَمْكَنَ أَنْ تَصِيرَ شَعَائِرُ الْإِسْلَامِ أَضْعَافَ مَا كَانَتْ عَلَيْهِ فِي عَهْدِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى لَا يُفَرِّقَ أَكْثَرُ النَّاسِ بَيْنَ الْأَصْلِ الْمُشْتَرَعِ وَالدَّخِيلِ الْمُبْتَدَعِ، فَيَكُونُ الْمُسْلِمُونَ كَالنَّصَارَى، فَكُلُّ مَنِ ابْتَدَعَ شَعَيْرَةً أَوْ عِبَادَةً فِي الْإِسْلَامِ فَهُوَ مِمَّنْ يَصَدُقُ عَلَيْهِمْ قَوْلُهُ تَعَالَى: (أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللهُ) (42: 21) وَإِنَّمَا الِاجْتِهَادُ فِي مِثْلِ تَحَرِّي الْقِبْلَةِ مِنَ الْعَمَلِ التَّعَبُّدِيِّ، وَفِي الْقَضَاءِ، وَلِيُرَاجِعِ الْقَارِئُ تَفْسِيرَ قَوْلِهِ تَعَالَى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ) (5: 101) وَقَوْلِهِ: (اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللهِ) (9: 31) وَمِنَ الْعَبَثِ أَنْ يَعْمَلَ الْإِنْسَانُ مَا لَا يَعْرِفُ لَهُ فَائِدَةً لِقَوْلِ مَنْ هُوَ مِثْلُهُ وَهُوَ مُسْتَعِدٌّ لِأَنْ يَفْهَمَ كُلَّ مَا يَفْهَمُهُ! وَلَا يَأْتِي هَذَا الْعَبَثُ فِي امْتِثَالِ أَمْرِ اللهِ تَعَالَى لِأَنَّا نَعْتَقِدُ أَنَّهُ بِرَحْمَتِهِ وَحِكْمَتِهِ لَا يَشْرَعُ لَنَا إِلَّا مَا فِيهِ خَيْرُنَا وَمَصْلَحَتُنَا، وَأَنَّهُ بِعِلْمِهِ الْمُحِيطِ بِكُلِّ شَيْءٍ يَعْلَمُ مِنْ ذَلِكَ مَا لَا نَعْلَمُ، وَالتَّجْرِبَةُ تُؤَيِّدُ هَذَا الِاعْتِقَادَ فَإِنَّ الطَّائِعِينَ الْقَائِمِينَ بِحُقُوقِ الدِّينِ تُصْلَحُ أَحْوَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا، وَيُرْجَى لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ مَا يُرْجَى، وَإِنْ لَمْ يَفْهَمُوا فَهْمًا كَامِلًا فَائِدَةَ كُلِّ جُزْئِيَّةٍ مِنْ جُزْئِيَّاتِ الْعَمَلِ، فَمَثَلُهُمْ كَمَا قَالَ الْغَزَّالِيُّ مَثَلُ مَنْ وَثِقَ بِالطَّبِيبِ وَجَرَّبَ دَوَاءَهُ
فَوَجَدَهُ نَافِعًا وَلَكِنَّهُ لَا يَعْرِفُ أَيَّةَ فَائِدَةٍ لِكُلِّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَائِهِ وَنِسْبَتِهِ إِلَى الْأَجْزَاءِ الْأُخْرَى، وَحَسْبُهُ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ هَذَا الدَّوَاءَ الْمُرَكَّبَ نَافِعٌ يَشْفِي بِإِذْنِ اللهِ مِنَ الْمَرَضِ.

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 2  صفحه : 36
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست