responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 2  صفحه : 217
لَمْ يَطْلُبِ الْحَقَّ مِنْ طَرِيقِهِ بِإِخْلَاصٍ وَإِنْصَافٍ لَا يَجِدُهُ وَلَا يَتَّفِقُ مَعَ أَهْلِهِ، وَأَنَّى لِلْمَفْتُونِينَ بِالزِّينَةِ الْإِخْلَاصُ وَالْإِنْصَافُ؟ !
أَقُولُ: وَثَمَّ أَقْوَامٌ آخَرُونَ نَظَرُوا إِلَى زِينَةِ الدُّنْيَا كَمَا أَمَرَ اللهُ، وَهُوَ مِنْ وَجْهَيْنِ، أَحَدُهُمَا: مَا فِيهَا مِنَ الْآيَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى قُدْرَتِهِ تَعَالَى وَعِلْمِهِ وَحِكْمَتِهِ وَرَحْمَتِهِ بِعِبَادِهِ. وَثَانِيهِمَا: كَوْنُهَا نِعْمَةً مِنْهُ تَعَالَى يَنْتَفِعُ بِهَا، وَيَشْكُرُ اللهَ تَعَالَى عَلَيْهَا، وَيَتَّبِعُ شَرْعَهُ فِيهَا بِالْقَصْدِ وَاجْتِنَابِ السَّرَفِ وَالْخُيَلَاءِ، وَتَذَكُّرِ الدُّعَاءِ بِحَسَنَةِ الدُّنْيَا وَحَسَنَةِ الْآخِرَةِ وَهُوَ قَرِيبٌ، وَلَا تَنْسَ قَوْلَهُ تَعَالَى: (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ) إِلَخْ.
وَالْمُرَادُ بِالَّذِينِ كَفَرُوا هُنَا مَنْ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْحُقُوقِ الْمَشْرُوعَةِ لِلَّهِ وَلِلنَّاسِ إِيمَانًا إِذْعَانًا وَانْقِيَادًا، بَلْ يُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى مَا عِنْدَ اللهِ تَعَالَى مِنَ النَّعِيمِ الْمُقِيمِ، لَا الْمُشْرِكُونَ أَوِ الْكَافِرُونَ فِي عُرْفِ بَعْضِ النَّاسِ كَالَّذِينِ لَا يُسَمَّوْنَ مُسْلِمِينَ، كَمَا أَنَّ الْقُرْآنَ لَا يَعْنِي بِالْمُؤْمِنِينَ النَّاجِينَ طَائِفَةً يُسَمُّونَ أَنْفُسَهُمْ أَوْ يَصِفُونَهَا بِالْإِيمَانِ أَوِ الْإِسْلَامِ، وَإِنَّمَا يَعْنِي بِهِمْ أُولَئِكَ الْمُوقِنِينَ بِمَا عِنْدَ اللهِ، الَّذِينَ يُؤْثِرُونَ الْحَقَّ عَلَى كُلِّ مَا يُعَارِضُهُ مِنْ شَهَوَاتِهِمْ وَلَذَّاتِهِمْ، وَإِذَا عَثَرَ أَحَدُهُمْ فَعَمِلَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ يَتُوبُ مِنْ قَرِيبٍ. وَانْظُرْ سَائِرَ مَا عَرَّفَ اللهُ تَعَالَى بِهِ الْمُؤْمِنِينَ وَالْكَافِرِينَ مِنَ النُّعُوتِ وَالْأَوْصَافِ يَظْهَرُ لَكَ هَذَا.
وَأَظْهَرُ أَوْصَافِ الْكَافِرِ أَنْ تَكُونَ زِينَةُ الدُّنْيَا أَكْبَرَ هَمِّهِ، يُؤْثِرُهَا عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، حَتَّى إِنَّ أَمْرَ الدِّينِ لَا يُزَحْزِحُهُ عَنْ شَيْءٍ يَقْدِرُ عَلَيْهِ مِنْ هَذِهِ الزِّينَةِ وَمَتَاعِهَا بِلَا مَعَارِضٍ مِنَ الدُّنْيَا، كَحَاكِمٍ يَزِعُ أَوْ إِهَانَةٍ تُتَوَقَّعُ; لِأَنَّهُ لَا يَقِينَ لَهُ فِي الْآخِرَةِ، فَإِنْ كَانَ مُنْتَسِبًا إِلَى دِينٍ فَمَا دِينُهُ إِلَّا تَقَالِيدٌ وَعَادَاتٌ، وَخَوَاطِرُ تَتَنَازَعُهَا الشُّبُهَاتُ، وَتَتَجَاذَبُهَا الشُّكُوكُ وَالتَّأْوِيلَاتُ. وَمِنْهُمْ مَنْ يُسَلِّمُ تَقْلِيدًا بِأَنَّ هُنَالِكَ آخِرَةً فِيهَا نَعِيمٌ خَاصٌّ بِأَهْلِ مِلَّتِهِ وَإِنْ كَانُوا عَلَى مَا وَصَفَ اللهُ الْكَافِرِينَ، وَضِدَّ مَا نَعَتَ الْمُؤْمِنِينَ، كَمَا كَانَ الْيَهُودُ فِي زَمَنِ التَّنْزِيلِ. وَقَدْ أَطْلَقَ الْقُرْآنُ عَلَيْهِمُ اسْمَ الْإِيمَانِ فِي مَوَاضِعَ مِنْهَا الْآيَةُ السَّابِقَةُ قَرِيبًا عَلَى قَوْلِ بَعْضِ الْمُفَسِّرِينَ، وَفِي غَيْرِهَا أَيْضًا كَقَوْلِهِ فِي أَهْلِ الْكِتَابِ عَامَّةً مِنْ آخَرِ سُورَةِ الْحَدِيدِ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحِمَتِهِ) (57: 28) إِلَخْ، وَأَطْلَقَ عَلَيْهِمُ اسْمَ الْكُفْرِ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ.
وَذَلِكَ أَنَّ لِلْإِيمَانِ - كَمَا ذَكَرْنَا قَبْلُ - إِطْلَاقَيْنِ، فَيُطْلَقُ عَلَى الْمُؤْمِنِ الْمُوقِنِ الْمُذْعِنِ لِلْعَمَلِ وَالِاتِّبَاعِ، وَيُطْلَقُ عَلَى مَنْ يُصَدِّقُ تَقْلِيدًا بِأَنَّ لِلْعَالَمِ إِلَهًا أَرْسَلَ رُسُلًا وَيَنْتَسِبُ إِلَى بَعْضِهِمْ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى يَقِينٍ فِي إِيمَانِهِ، وَبَصِيرَةٍ فِي دِينِهِ، وَحُسْنِ اتِّبَاعٍ لِنَبِيِّهِ، بَلْ هُوَ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ كَمَا تَقَدَّمَ، وَهَؤُلَاءِ قَدْ يَكُونُونَ فِي عُرْفِ الْقُرْآنِ كَافِرِينَ، وَذَكَرَ مِنْ عَلَامَتِهِمُ الِافْتِتَانَ بِزِينَةِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، فَهُمْ

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 2  صفحه : 217
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست