responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 2  صفحه : 218
يَعُدُّونَ الْكِيَاسَةَ الِانْغِمَاسَ فِي نَعِيمِهَا، وَيَرَوْنَ الْفَضْلَ فِي الِاسْتِكْثَارِ مِنْ فُضُولِهَا (وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا) إِيمَانًا حَقِيقِيًّا يَحْمِلُ عَلَى
الْعَمَلِ - يَسْخَرُونَ مِنْ فُقَرَائِهِمْ; لِأَنَّهُمْ مَحْرُومُونَ مِنْ زِينَتِهِمْ وَإِنْ كَانُوا رَاضِينَ مِنَ اللهِ مَغْبُوطِينَ بِمَا مَنَحَهُمْ مِنَ الْإِيمَانِ وَالرَّجَاءِ بِالْآخِرَةِ، وَمِنْ أَغْنِيَائِهِمْ لِأَنَّهُمْ لَا يَتَنَوَّقُونَ فِي النَّعِيمِ، بَلْ يَرَوْنَ الْكِيَاسَةَ فِي الِاسْتِعْدَادِ لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ بِتَرْقِيَةِ النَّفْسِ بِالِاعْتِقَادِ الصَّحِيحِ الْمُؤَيَّدِ بِالْبَيِّنَاتِ وَالتَّحَلِّي بِالْفَضَائِلِ وَأَحَاسِنِ الْأَخْلَاقِ، وَيَعُدُّونَ الْفَضْلَ فِي الْقِيَامِ بِحُقُوقِ النَّاسِ وَخِدْمَةِ الْأُمَّةِ، وَالْإِفَاضَةِ مِنْ فَضْلِ الْمَالِ عَلَى الْعَاجِزِينَ وَالْبَائِسِينَ، وَكُلَّمَا أَنْفَقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ دِرْهَمًا عَدَّهُ أُولَئِكَ الْمُسْتَهْزِئُونَ مَغْرَمًا.
قَالَ تَعَالَى رَدًّا عَلَى هَؤُلَاءِ السَّاخِرِينَ الَّذِينَ يَرَوْنَ أَنَّهُمْ فِي زِينَتِهِمْ وَلَذَّاتِهِمْ خَيْرٌ مِنْ أَهْلِ الْيَقِينِ فِي نَزَاهَتِهِمْ وَتُقَاتِهِمْ: (وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) فَإِذَا اسْتَعْلَى بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضِ الْمُؤْمِنِينَ طَائِفَةً مِنَ الزَّمَنِ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الْقَصِيرَةِ الْفَانِيَةِ بِمَا يَكُونُ لَهُمْ مِنَ الْأَتْبَاعِ وَالْأَنْصَارِ وَالْمَالِ والسُّلْطَانِ، فَإِنَّ الْمُؤْمِنِينَ الْمُتَّقِينَ يَكُونُونَ أَعْلَى مِنْهُمْ مَقَامًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي تِلْكَ الْحَيَاةِ الْعَلِيَّةِ الْأَبَدِيَّةِ. وَلَمْ يَقُلْ: وَالَّذِينَ آمَنُوا فَوْقَهُمْ; لِأَنَّ هَؤُلَاءِ الْمَفْتُونِينَ بِزِينَةِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا يَدَّعُونَ الْإِيمَانَ لِأَنَّهُمْ وُلِدُوا وَنُشِّئُوا بَيْنَ قَوْمٍ يُدْعَوْنَ بِأَهْلِ الْإِيمَانِ وَأَهْلِ الْكِتَابِ، فَاللهُ يُرْشِدُنَا إِلَى أَنَّهُ لَا اعْتِدَادَ بِالْإِيمَانِ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا إِذَا صَحِبَتْهُ التَّقْوَى، وَكَانَتْ أَثَرًا لَهُ فِي النَّفْسِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ (تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّا) (19: 63) وَ (أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) (3: 133) وَ (لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا) (5: 93) وَالْآيَاتُ فِي هَذَا كَثِيرَةٌ جِدًّا، وَلَكِنَّ الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّ النَّجَاةَ فِي الْآخِرَةِ وَالدَّرَجَاتِ الْعُلَا فِيهَا تَحْصُلُ بِمُجَرَّدِ اللَّقَبِ وَالْجِنْسِيَّةِ، أَوْ بَعْضِ التَّقَالِيدِ الَّتِي لَا أَثَرَ لَهَا فِي النَّفْسِ، لَا يَلْتَفِتُونَ إِلَى مِثْلِهَا، وَإِذَا قِيلَ لِعُظَمَائِهِمْ فِيهَا وَاحْتُجَّ عَلَيْهِمْ بِهَا طَفِقُوا يُحَرِّفُونَ وَيُؤَوِّلُونَ، وَيَدَّعُونَ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي الْكَافِرِينَ وَهُمْ مُسْلِمُونَ. أَوْ يَقُولُونَ: هَكَذَا شُيُوخُنَا وَإِنَّمَا نَحْنُ مُقَلِّدُونَ، وَهَؤُلَاءِ الدَّاعُونَ إِلَى الْكِتَابِ ضَالُّونَ مُضِلُّونَ; لِأَنَّهُمْ يَدَّعُونَ الِاجْتِهَادَ فِي الدِّينِ، وَقَدْ أَقْفَلَ عُلَمَاؤُنَا بَابَهُ مُنْذُ مِئِينَ مِنَ السِّنِينَ.
ذَكَرَ تَعَالَى مَا يَمْتَازُ بِهِ الْمُؤْمِنُ الْمُتَّقِي عَلَى الْكَافِرِ الْقَائِمِ بِتَبْدِيلِ النِّعْمَةِ وَتَفْرِيقِ الْكَلِمَةِ - وَهُوَ الْعُلُوُّ فِي دَارِ الْكَرَامَةِ، ثُمَّ أَخْبَرَنَا أَنَّ رِزْقَ الدُّنْيَا وَنَعِيمَهَا لَيْسَ خَاصًّا فِيهَا بِتَقِيٍّ وَلَا شَقِيٍّ، بَلْ هُوَ مَبْذُولٌ لِكُلِّ أَحَدٍ، وَأَنَّهُ قَدْ يَأْتِي مِنْ حَيْثُ لَا يَظُنُّ الْمَرْءُ وَلَا يَحْتَسِبُ فَقَالَ: (وَاللهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ) الْحِسَابُ: التَّقْدِيرُ; أَيْ: مِنْ غَيْرِ تَقْدِيرٍ لَهُ عَلَى حَسَبِ الْإِيمَانِ وَالتَّقْوَى وَالْكُفْرِ وَالْفُجُورِ، وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّهُ كِنَايَةٌ عَنِ السَّعَةِ وَعَدَمِ التَّقْتِيرِ وَالتَّضْيِيقِ، كَقَوْلِهِمْ: يُنْفِقُ فُلَانٌ بِغَيْرِ حِسَابٍ; أَيْ: يُنْفِقُ كَثِيرًا، وَالْمَعْنَى أَنَّهُ بَذَلَ الْعَطَاءَ فِي الدُّنْيَا لِكُلِّ أَحَدٍ بِخَلْقِ الْأَرْزَاقِ وَإِقْدَارِ النَّاسِ عَلَى الْكَسْبِ، وَقِيلَ: إِنَّ الْمَعْنَى بِغَيْرِ حِسَابٍ عَلَيْهِ مِنْ أَحَدٍ، فَهُوَ الَّذِي

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 2  صفحه : 218
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست