responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 2  صفحه : 216
وَالْأَخْذِ بِجَمِيعِ أَحْكَامِهِ وَشَرَائِعِهِ وَالنَّهْيِ عَنِ التَّفَرُّقِ فِيهَا، وَالْمُسْلِمُونَ هُمُ الْمُخَاطَبُونَ بِالْوَعِيدِ عَلَى التَّفَرُّقِ وَاتِّبَاعِ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ عَلَى رَأْيِهِ وَتَفْسِيرِهِ - وَهُوَ الْمُخْتَارُ - فَبَعْدَ أَنْ أَمَرَنَا تَعَالَى وَنَهَانَا وَتَوَعَّدَ مَنْ يَزِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ مِنَّا بَعْدَ مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ ذَكَّرَنَا بِحَالِ مَنْ سَبَقَنَا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ الَّذِينَ نَزَلَ بِهِمْ عَذَابُ التَّفَرُّقِ وَالْخِلَافِ فِي الدُّنْيَا، لَمْ يَمْنَعْهُ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ، وَأَنَّهُمْ مُنْتَمُونَ إِلَى نَبِيٍّ مُرْسَلٍ وَعِنْدَهُمْ شَرِيعَةٌ إِلَهِيَّةٌ، ذَلِكَ أَنَّهُمْ لَمْ يَجْتَمِعُوا عَلَى الْكِتَابِ لِاخْتِلَافِ أَئِمَّتِهِمْ وَأَحْبَارِهِمْ فِي التَّأْوِيلِ وَالتَّأْلِيفِ، وَكَانَ كُلُّ فَرِيقٍ مِنْهُمْ يَعْتَذِرُ عَنْ تَرْكِهِ الْعَمَلَ بِالتَّوْرَاةِ بِأَنَّهُ مُتَّبِعٌ لِبَعْضِ الْأَحْبَارِ الَّذِينَ هُمْ أَعْلَمُ مِنْهُ بِهَا.
بَعْدَ هَذَا كُلِّهِ يَسْأَلُ سَائِلٌ: كَيْفَ يَخْتَلِفُ النَّاسُ فِي دِينِهِمْ وَيَتَفَرَّقُونَ شِيَعًا بَعْدَ مَجِيءِ الْبَيِّنَاتِ الْمَانِعَةِ مِنْ ذَلِكَ؟ فَهَذِهِ الْآيَةُ جَوَابٌ لِهَذَا السُّؤَالِ، وَحَلٌّ لِمَا فِيهِ مِنَ الْإِشْكَالِ، مُلَخَّصُهُ أَنَّ حُبَّ الدُّنْيَا وَالْغُرُورِ بِزِينَتِهَا يَصْرِفَانِ جَمِيعَ قُوَى النَّفْسِ إِلَى التَّفَانِي فِي طَلَبِهَا، وَبِذَلِكَ تَنْصَرِفُ عَنِ النَّظَرِ الصَّحِيحِ فِي آيَاتِ الْحَقِّ وَبَيِّنَاتِهِ، أَمَّا الرُّؤَسَاءُ فَإِنَّهُمْ يَنْصَرِفُونَ إِلَى حُبِّ الِامْتِيَازِ وَالشُّهْرَةِ وَالِاسْتِعْلَاءِ عَلَى الْأَقْرَانِ، وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إِلَّا بِالْخِلَافِ وَانْتِصَارِ كُلِّ رَئِيسٍ لِمَذْهَبٍ، وَالذَّبِّ عَنْهُ بِالْجَدَلِ وَالتَّأْوِيلِ. وَأَمَّا الْمَرْءُوسُونَ فَإِنَّ كُلَّ فَرِيقٍ مِنْهُمْ يَنْتَمِي إِلَى رَئِيسٍ يَعْتَزُّ بِهِ وَيُقَلِّدُهُ دِينَهُ، وَلَا يَسْتَمِعُ قَوْلًا لِمُخَالِفِهِ، وَيَرْبِطُ كُلًّا مِنْهُمَا بِالْآخَرِ الِاشْتِرَاكُ فِي الْمَصَالِحِ الدُّنْيَوِيَّةِ،
فَحُبُّ الدُّنْيَا هُوَ عِلَّةُ الْعِلَلِ وَرَأْسُ كُلِّ خَطِيئَةٍ. وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُ ارْتِبَاطِ الرُّؤَسَاءِ بِالْمَرْءُوسِينَ فِي تَفْسِيرِ (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللهِ أَنْدَادًا) (2: 165) الْآيَاتِ.
وَمَا ذَكَرْنَاهُ هُنَا قَاضٍ بِأَنْ يَخْتَصَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِمَنْ أُوتُوا كِتَابًا وَجَاءَتْهُمْ بَيِّنَاتٌ تَجْمَعُ كَلِمَتَهُمْ وَتُحَقِّقُ وَحْدَتَهُمْ، فَفَصَمُوا بِالْخِلَافِ عُرْوَتَهَا، وَمَزَّقُوا بِالتَّفَرُّقِ نَسِيجَ وَحْدَتِهَا، وَذَلِكَ كُفْرٌ بِهَذِهِ النِّعْمَةِ وَتَبْدِيلٌ لَهَا بِالنِّقْمَةِ. وَيَدُلُّكَ عَلَى أَنَّ الْكَلَامَ لَا يَزَالُ فِي مَسْأَلَةِ الْخِلَافِ وَالْوِفَاقِ فِي الدِّينِ الْآيَةُ التَّالِيَةُ لِهَذِهِ، فَإِنَّهَا مُبَيِّنَةٌ لِأَصْلِ الْخِلَافِ فِي الدِّينِ مُنْذُ بَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ.
جُمْلَةُ (زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا) إِلَخْ. فِي مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى: (إِنَّا جَعَلَنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا) (18: 7) ابْتَلَاهُمْ فَغَرَّتْ أَقْوَامًا زِينَتُهَا، وَفَتَنَتْهُمْ بَهْجَتُهَا، فَانْصَرَفَتْ هِمَّتُهُمْ إِلَى الِاسْتِمَاعِ بِلَذَّاتِهَا، وَانْحَصَرَتْ أَفْكَارُهُمْ فِي اسْتِنْبَاطِ الْوَسَائِلِ لِشَهَوَاتِهَا، وَمُسَابَقَةِ طُلَّابِ الْمَالِ وَالْجَاهِ عِنْدَ أَرْبَابِهَا، وَمُزَاحَمَةِ الطَّارِقِينَ لِأَبْوَابِهَا، فَلَمْ يَبْقَ فِيهَا سِعَةٌ لِطَلَبِ شَيْءٍ آخَرَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُعَارِضًا لَهُمْ فِيهَا يَرْغَبُونَ، وَحَائِلًا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ، فَمَا بَالُكَ بِطَلَبِ الْحَقِّ، وَالتَّطَلُّعِ إِلَى حَيَاةٍ بَعْدَ هَذِهِ الْحَيَاةِ، وَالْحَقُّ يَنْعَى عَلَيْهِمْ إِسْرَافَهُمْ فِي أَمْرِهِمْ، وَيُطَالِبُهُمْ بِحُقُوقٍ عَلَيْهِمْ لِغَيْرِهِمْ. وَالتَّطَلُّعُ إِلَى حَيَاةٍ أُخْرَى يُزَعْزِعُ مِنْ سُكُونِهِمْ إِلَى لَهْوِهِمْ، وَيَغُضُّ شَيْئًا مِنْ تَعَالِيهِمْ فِي زَهْوِهِمْ، بَلْ يُكَدِّرُ عَلَيْهِمْ بَعْضَ صَفْوِهِمْ، وَيَقِفُ بِهِمْ دُونَ شَأْوِهِمْ. وَمَنْ

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 2  صفحه : 216
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست