responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 2  صفحه : 131
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّ الْمَعْنَى فَمَنْ كَانَ حَاضِرًا مِنْكُمْ حُلُولَ الشَّهْرِ فَلْيَصُمْهُ. قَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ: وَإِنَّمَا عَبَّرَ بِهَذِهِ الْعِبَارَةِ وَلَمْ يَقُلْ ((فَصُومُوهُ)) لِمِثْلِ الْحِكْمَةِ الَّتِي لَمْ يُحَدِّدِ الْقُرْآنُ مَوَاقِيتَ الصَّلَاةِ لِأَجْلِهَا، وَذَلِكَ أَنَّ الْقُرْآنَ خِطَابُ اللهِ الْعَامِّ لِجَمِيعِ الْبَشَرِ، وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ مِنَ الْمَوَاقِعِ مَا لَا شُهُورَ فِيهَا وَلَا أَيَّامَ مُعْتَدِلَةً، بَلِ السَّنَةُ كُلُّهَا قَدْ تَكُونُ فِيهَا يَوْمًا وَلَيْلَةً تَقْرِيبًا كَالْجِهَاتِ الْقُطْبِيَّةِ، فَالْمُدَّةُ الَّتِي يَكُونُ فِيهَا الْقُطْبُ الشَّمَالِيُّ فِي لَيْلٍ - وَهِيَ نِصْفُ السَّنَةِ - يَكُونُ الْقُطْبُ الْجَنُوبِيُّ فِي نَهَارٍ وَبِالْعَكْسِ، وَيَقْصُرُ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَيَطُولَانِ عَلَى نِسْبَةِ الْقُرْبِ وَالْبُعْدِ عَنِ الْقُطْبَيْنِ وَيَسْتَوِيَانِ فِي خَطِّ الِاسْتِوَاءِ وَهُوَ وَسَطُ الْأَرْضِ.
أَرَأَيْتَ هَلْ يُكَلِّفُ اللهُ تَعَالَى مَنْ يُقِيمُ فِي جِهَةِ الْقُطْبَيْنِ وَمَا يَقْرُبُ مِنْهُمَا أَنْ يُصَلِّيَ فِي يَوْمِهِ - وَهُوَ سَنَةٌ أَوْ مِقْدَارُ عِدَّةِ أَشْهَرٍ - خَمْسَ صَلَوَاتٍ إِحْدَاهَا حِينَ يَطْلُعُ الْفَجْرُ، وَالثَّانِيَةُ بَعْدَ زَوَالِ الشَّمْسِ إِلَخْ، وَيُكَلِّفُهُ أَنْ يَصُومَ شَهْرَ رَمَضَانَ بِالتَّعْيِينِ وَلَا رَمَضَانَ لَهُ وَلَا شُهُورَ؟ كَلَّا إِنَّ مِنَ الْآيَاتِ الْكُبْرَى عَلَى كَوْنِ هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ عِنْدِ اللهِ الْمُحِيطِ عِلْمُهُ بِكُلِّ شَيْءٍ - لَا مِنْ تَأْلِيفِ الْبَشَرِ - مَا تَرَاهُ فِيهِ مِنَ الِاكْتِفَاءِ بِالْخِطَابِ الْعَامِّ الَّذِي لَا يَتَقَيَّدُ بِزَمَانِ مَنْ جَاءَ بِهِ وَلَا مَكَانِهِ، وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَكَانَ كُلُّ مَا فِيهِ مُنَاسِبًا لِحَالِ زَمَانِهِ وَبِلَادِهِ وَمَا يَلِيهَا مِنَ الْبِلَادِ الَّتِي يَعْرِفُهَا، وَلَمْ تَكُنِ الْعَرَبُ تَعْرِفُ أَنَّ فِي الْأَرْضِ بِلَادًا نَهَارُهَا كَعِدَّةِ أَنْهُرٍ أَوْ أَشْهُرٍ مِنْ أَنْهُرِنَا وَأَشْهُرِنَا وَلَيَالِيهَا كَذَلِكَ.
فَمُنَزِّلُ الْقُرْآنِ - وَهُوَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ وَخَالِقُ الْأَرْضِ وَالْأَفْلَاكِ - خَاطَبَ النَّاسَ كَافَّةً بِمَا يُمْكِنُ أَنْ يَمْتَثِلُوهُ، فَأَطْلَقَ الْأَمْرَ بِالصَّلَاةِ، وَالرَّسُولُ بَيَّنَ أَوْقَاتَهَا بِمَا يُنَاسِبُ حَالَ الْبِلَادِ الْمُعْتَدِلَةِ الَّتِي هِيَ الْقِسْمُ الْأَعْظَمُ مِنَ الْأَرْضِ، حَتَّى إِذَا وَصَلَ الْإِسْلَامُ إِلَى أَهْلِ الْبِلَادِ الَّتِي أَشَرْنَا إِلَيْهَا يُمْكِنُهُمْ أَنْ يَقْدُرُوا لِلصَّلَوَاتِ بِاجْتِهَادِهِمْ وَالْقِيَاسِ عَلَى مَا بَيَّنَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ أَمْرِ اللهِ الْمُطْلَقِ. وَكَذَلِكَ الصِّيَامُ، مَا أَوْجَبَ رَمَضَانَ إِلَّا عَلَى مَنْ شَهِدَ الشَّهْرَ وَحَضَرَهُ، وَالَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ شَهْرٌ مِثْلُهُ يَسْهُلُ عَلَيْهِمْ أَنْ يَقْدُرُوا لَهُ قَدْرَهُ، وَقَدْ ذَكَرَ الْفُقَهَاءُ مَسْأَلَةَ التَّقْدِيرِ بَعْدَمَا عَرَفُوا بَعْضَ الْبِلَادِ الَّتِي يَطُولُ لَيْلُهَا وَيَقْصُرُ نَهَارُهَا وَالْبِلَادِ الَّتِي يَطُولُ نَهَارُهَا وَيَقْصُرُ لَيْلُهَا، وَاخْتَلَفُوا فِي التَّقْدِيرِ عَلَى أَيِّ الْبِلَادِ يَكُونُ فَقِيلَ عَلَى الْبِلَادِ الْمُعْتَدِلَةِ الَّتِي وَقَعَ فِيهَا التَّشْرِيعُ كَمَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ، وَقِيلَ عَلَى أَقْرَبِ بِلَادٍ مُعْتَدِلَةٍ إِلَيْهِمْ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا جَائِزٌ فَإِنَّهُ اجْتِهَادِيٌّ لَا نَصَّ فِيهِ.
(وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) أُعِيدَ ذِكْرُ الرُّخْصَةِ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ - بَعْدَ تَعْظِيمِ أَمْرِ الصَّوْمِ فِي نَفْسِهِ وَأَنَّهُ خَيْرٌ وَيُنْدَبُ التَّطَوُّعُ بِهِ، وَبَعْدَ تَحْدِيدِهِ بِشَهْرِ رَمَضَانَ الَّذِي لَهُ مِنَ الْفَضْلِ وَالشَّرَفِ مَا لَهُ - أَنَّ صَوْمَ هَذَا الشَّهْرِ حَتْمٌ لَا تَتَنَاوَلُهُ الرُّخْصَةُ، أَوْ تَتَنَاوَلُهُ وَلَكِنْ لَا تُحْمَدُ فِيهِ، وَلَعَمْرِي إِنَّ تَأْكِيدَ الصَّوْمِ بِمِثْلِ مَا أَكَّدَهُ اللهُ تَعَالَى بِهِ يَقْتَضِي تَأْكِيدَ أَمْرِ الرُّخْصَةِ أَيْضًا، وَلَوْلَا ذَلِكَ مَا أَتَاهَا مُتَّقٍ لِلَّهِ فِي صِيَامِهِ، بَلْ رَوَى الْمُحَدِّثُونَ: أَنَّ بَعْضَ الصَّحَابَةِ

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 2  صفحه : 131
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست