responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 2  صفحه : 132
عَلَيْهِمُ الرِّضْوَانُ كَانُوا - عَلَى تَأْكِيدِ أَمْرِ
الرُّخْصَةِ فِي الْقُرْآنِ - يَتَحَامَوْنَ الْفِطْرَ فِي السَّفَرِ أَوَّلًا، حَتَّى إِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَهُمْ بِهِ فِي بَعْضِ الْأَسْفَارِ فَلَمْ يَمْتَثِلُوا حَتَّى أَفْطَرَ هُوَ بِالْفِعْلِ، وَسَمَّى الْمُمْتَنِعَ عَنِ الْفِطْرِ عَاصِيًا كَمَا تَقَدَّمَ.
(يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) هَذَا تَعْلِيلٌ لِمَا قَبْلَهُ ; أَيْ: يُرِيدُ فِيمَا شَرَعَهُ مِنْ هَذِهِ الرُّخْصَةِ فِي الصِّيَامِ، وَسَائِرِ مَا يَشْرَعُهُ لَكُمْ مِنَ الْأَحْكَامِ، أَنْ يَكُونَ دِينُكُمْ يُسْرًا تَامًّا لَا عُسْرَ فِيهِ. قَالَ الْأُسْتَاذُ: إِنَّ فِي هَذَا التَّعْبِيرِ ضَرْبًا مِنَ التَّحْرِيضِ وَالتَّرْغِيبِ فِي إِتْيَانِ الرُّخْصَةِ، وَلَا غَرْوَ فَاللهُ يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى رُخَصُهُ كَمَا تُؤْتَى عَزَائِمُهُ. وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْأَفْضَلِ لِلْمَرِيضِ وَالْمُسَافِرِ عَلَى أَقْوَالٍ ثَالِثُهَا ((التَّخْيِيرُ)) .
(أَقُولُ) : وَالْآيَةُ تُشْعِرُ بِأَنَّ الْأَفْضَلَ أَنْ يَصُومَ إِذَا لَمْ يَلْحَقْهُ مَشَقَّةٌ أَوْ عُسْرٌ ; لِانْتِفَاءِ عِلَّةِ الرُّخْصَةِ، وَإِلَّا كَانَ الْأَفْضَلُ أَنْ يُفْطِرَ لِوُجُودِ عِلَّتِهَا، وَيَتَأَكَّدُ بِوُجُودِ مَصْلَحَةٍ أُخْرَى فِي الْفِطْرِ كَالْقُوَّةِ عَلَى الْجِهَادِ وَتَقَدَّمَ بَسْطُهُ ; ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ لَا يُرِيدُ إِعْنَاتَ النَّاسِ بِأَحْكَامِهِ وَإِنَّمَا يُرِيدُ الْيُسْرَ بِهِمْ وَخَيْرَهُمْ وَمَنْفَعَتَهُمْ، وَهَذَا أَصْلٌ فِي الدِّينِ يَرْجِعُ إِلَيْهِ غَيْرُهُ، وَمِنْهُ أَخَذُوا قَاعِدَةَ ((الْمَشَقَّةُ تَجْلِبُ التَّيْسِيرَ)) وَوَرَدَ فِي هَذَا أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ مِنْ أَشْهَرِهَا ((يَسِّرُوا وَلَا تُعَسِّرُوا، وَبَشِّرُوا وَلَا تُنَفِّرُوا)) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ. وَالْمُرَادُ بِالْإِرَادَةِ هُنَا حِكْمَةُ التَّشْرِيعِ لَا إِرَادَةُ التَّكْوِينِ.
زُرْتُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ فِي عَهْدِ طَلَبِي لِلْعِلْمِ بِطَرَابُلْسَ فِي الْمُحَرَّمِ سَنَةَ 1311هـ فَاجْتَمَعْتُ فِي مَدِينَةِ الْخَلِيلِ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِمُفْتِيهَا الرَّجُلِ الصَّالِحِ مِنْ آلِ التَّمِيمِيِّ فَسَأَلَنِي مُمْتَحِنًا: يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: (يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) وَمَا يُرِيدُهُ اللهُ تَعَالَى لَا يَجُوزُ تَخَلُّفُهُ عَقْلًا وَلَكِنَّنَا نَرَى الْعُسْرَ وَاقِعًا مُشَاهَدًا فَكَيْفَ هَذَا؟ قُلْتُ: إِنَّ الْآيَةَ فِي تَعْلِيلِ الرُّخْصَةِ فِي الصِّيَامِ لِلْمَرِيضِ وَالْمُسَافِرِ، لَا فِي التَّكْوِينِ وَالتَّقْدِيرِ كَالْعُسْرِ فِي الْمَالِ وَالرِّزْقِ، فَأَعْجَبَهُ الْجَوَابُ وَدَعَا لِي بِالْفَتْحِ، وَلَمْ أَكُنْ حَضَرْتُ شَيْئًا مِنْ تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ فِي ذَلِكَ الْعَهْدِ.
ثُمَّ قَالَ: (وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ) قَرَأَ الْجُمْهُورُ (لِتُكْمِلُوا) بِالتَّخْفِيفِ. مِنَ الْإِكْمَالِ، وَأَبُو بَكْرٍ عَنْ عَاصِمٍ - بِالتَّشْدِيدِ - مِنَ التَّكْمِيلِ، وَاللَّامُ لِلتَّعْلِيلِ وَهِيَ مَعْطُوفَةٌ عَلَى التَّعْلِيلِ الْمُسْتَفَادِ مِنْ قَوْلِهِ: (يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ) كَأَنَّهُ قَالَ: رَخَّصَ لَكُمْ فِي حَالَيِ الْمَرَضِ وَالسَّفَرِ ; لِأَنَّهُ يُرِيدُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَأَنْ تُكْمِلُوا الْعِدَّةَ، فَمَنْ لَمْ يُكْمِلْهَا أَدَاءً لِعُذْرِ الْمَرَضِ أَوِ السَّفَرِ
أَكْمَلَهَا قَضَاءً بَعْدَهُ. وَقِيلَ: إِنَّهَا لِتَقْوِيَةِ الْفِعْلِ كَمَا فِي قَوْلِهِ: (يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللهِ) (61: 8) أَيْ: يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَأَنْ تُكْمِلُوا الْعِدَّةَ، وَهُوَ يَجْرِي فِي كَلَامِ الْبُلَغَاءِ كَثِيرًا وَرَجَّحَهُ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ (وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ) إِلَيْهِ مِنَ الْأَحْكَامِ النَّافِعَةِ لَكُمْ بِأَنْ تَذْكُرُوا عَظَمَتَهُ وَكِبْرِيَاءَهُ وَحِكْمَتَهُ فِي إِصْلَاحِ عِبَادِهِ، وَأَنَّهُ يُرَبِّيهِمْ بِمَا يَشَاءُ مِنَ الْأَحْكَامِ، وَيُؤَدِّبُهُمْ بِمَا يَخْتَارُ مِنَ التَّكَالِيفِ، وَيَتَفَضَّلُ عَلَيْهِمْ عِنْدَ ضَعْفِهِمْ بِالرُّخَصِ اللَّائِقَةِ بِحَالِهِمْ (وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 2  صفحه : 132
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست