responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 10  صفحه : 402
قَالَ: لَقَدْ كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ الْخُرُوجَ، وَلَكِنْ كَانَ تَبْطِئَةً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ وَزَهَادَةً فِي الْجِهَادِ.
هَذَا وَإِنَّ بَعْضَ الْمُفَسِّرِينَ وَلَا سِيَّمَا الزَّمَخْشَرِيُّ قَدْ أَسَاءُوا الْأَدَبَ فِي التَّعْبِيرِ عَنْ عَفْوِ اللهِ تَعَالَى عَنْ رَسُولِهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ فِي هَذِهِ الْآيَةِ. وَكَانَ يَجِبُ أَنْ يَتَعَلَّمُوا مِنْهَا أَعْلَى الْأَدَبِ مَعَهُ صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ، إِذْ أَخْبَرَهُ رَبُّهُ وَمُؤَدِّبُهُ بِالْعَفْوِ قَبْلَ الذَّنْبِ، وَهُوَ مُنْتَهَى التَّكْرِيمِ وَاللُّطْفِ، وَبَالَغَ آخَرُونَ كَالرَّازِيِّ فِي الطَّرَفِ الْآخَرِ فَأَرَادُوا أَنْ يُثْبِتُوا أَنَّ الْعَفْوَ لَا يَدُلُّ عَلَى الذَّنْبِ، وَغَايَتُهُ أَنَّ الْإِذْنَ الَّذِي عَاتَبَهُ اللهُ عَلَيْهِ هُوَ خِلَافُ الْأَوْلَى، وَهُوَ جُمُودٌ مَعَ الِاصْطِلَاحَاتِ الْمُحَدَثَةِ وَالْعُرْفِ الْخَاصِّ فِي مَعْنَى الذَّنْبِ وَهُوَ الْمَعْصِيَةُ، وَمَا كَانَ يَنْبَغِي لَهُمْ أَنْ يَهْرَبُوا مِنْ إِثْبَاتِ مَا أَثْبَتَهُ اللهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ تَمَسُّكًا بِاصْطِلَاحَاتِهِمْ وَعُرْفِهِمُ الْمُخَالِفِ لَهُ وَلِمَدْلُولِ اللُّغَةِ أَيْضًا، فَالذَّنْبُ فِي اللُّغَةِ كُلُّ عَمَلٍ يَسْتَتْبِعُ ضَرَرًا أَوْ فَوْتَ مَنْفَعَةٍ أَوْ مَصْلَحَةٍ، مَأْخُوذٌ مِنْ ذَنَبِ الدَّابَّةِ، وَلَيْسَ مُرَادِفًا لِلْمَعْصِيَةِ بَلْ أَعَمُّ مِنْهَا، وَالْإِذْنُ الْمَعْفُوُّ عَنْهُ قَدِ اسْتَتْبَعَ فَوْتَ الْمَصْلَحَةِ الْمَنْصُوصَةِ فِي الْآيَةِ وَهِيَ تُبَيِّنُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَالْعِلْمَ بِالْكَاذِبِينَ. وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ (48: 1 و2) الْآيَةَ.
فَالتَّفَصِّي مِنْ إِسْنَادِ الذَّنْبِ إِلَى الْأَنْبِيَاءِ بِالتَّأْوِيلِ لَيُوَافِقَ الْمَذَاهِبَ وَالْقَوَاعِدَ، كَالتَّفَصِّي مِمَّا وَصَفَ اللهُ بِهِ نَفْسَهُ وَمَا أَسْنَدَهُ إِلَيْهَا مِنَ الْعُلُوِّ وَالِاسْتِوَاءِ عَلَى الْعَرْشِ أَوْ غَيْرِهِمَا مِنَ الصِّفَاتِ، وَهُوَ يَسْتَلْزِمُ جَعْلَ بَيَانِ نُظَّارِ الْمُتَكَلِّمِينَ لِحَقَائِقِ دِينِ اللهِ أَفْصَحُ وَأَبْيَنُ وَأَوْلَى بِالتَّلْقِينِ مِنْ كِتَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ الَّذِي وَصَفَهُ بِأَنَّهُ تِبْيَانٌ لِكُلِّ شَيْءٍ، وَلَوْ قِيلَ: إِنَّ لَازِمَ الْمَذْهَبِ مَذْهَبٌ مُطْلَقًا وَإِنْ لَمْ يَفْطُنْ لَهُ صَاحِبُ الْمَذْهَبِ وَيَلْتَزِمْهُ، كَمَا يَقُولُهُ الَّذِينَ يُكْفِّرُونَ كَثِيرًا مِنَ الْمُخَالِفِينَ لَهُمْ، لَجَازَ الْحُكْمُ بِكُفْرِ هَؤُلَاءِ الْمُتَأَوِّلِينَ الْمُحَرِّفِينَ، وَلَكِنَّ أَهْلَ الْحَقِّ مِنْ عُلَمَاءِ السَّلَفِ يَمْنَعُونَ مِنَ الْحُكْمِ بِالْكُفْرِ عَلَى الشَّخْصِ الْمُعَيَّنِ، فِيمَا يَتَأَوَّلُ فِيهِ مِمَّا هُوَ كُفْرٌ فِي نَفْسِهِ، وَيَعُدُّونَ مِنَ الْعُذْرِ بِالْجَهْلِ مَا لَا يَعُدُّهُ الْمُتَكَلِّمُونَ عُذْرًا.
وَقَدْ كَانَ الْإِذْنُ الْمُعَاتَبُ عَلَيْهِ اجْتِهَادًا مِنْهُ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ فِيمَا لَا نَصَّ فِيهِ مِنَ الْوَحْيِ، وَهُوَ جَائِزٌ وَوَاقِعٌ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ، وَلَيْسُوا بِمَعْصُومِينَ مِنَ الْخَطَأِ فِيهِ، وَإِنَّمَا الْعِصْمَةُ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهَا خَاصَّةٌ بِتَبْلِيغِ الْوَحْيِ بِبَيَانِهِ وَالْعَمَلِ بِهِ، فَيَسْتَحِيلُ عَلَى الرَّسُولِ أَنْ يَكْذِبَ أَوْ يُخْطِئَ فِيمَا يُبَلِّغُهُ عَنْ رَبِّهِ أَوْ يُخَالِفَهُ بِالْعَمَلِ، وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ طَلْحَةَ فِي تَأْبِيرِ النَّخْلِ إِذْ رَآهُمْ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ يُلَقِّحُونَهَا فَقَالَ: " مَا أَظُنُّ يُغْنِي ذَلِكَ شَيْئًا " فَأُخْبِرُوا بِذَلِكَ فَتَرَكُوهُ ظَنًّا مِنْهُمْ أَنَّ قَوْلَهُ هَذَا مِنْ أَمْرِ الدِّينِ فَنَفَضَتِ النَّخْلُ وَسَقَطَ ثَمَرُهَا، فَأُخْبِرَ بِذَلِكَ فَقَالَ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ: إِنْ كَانَ يَنْفَعُهُمْ ذَلِكَ فَلْيَصْنَعُوهُ فَإِنِّي إِنَّمَا ظَنَنْتُ ظَنًّا فَلَا تُؤَاخِذُونِي

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 10  صفحه : 402
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست