responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 26  صفحه : 62
وَاخْتَلَفُوا فِي جَزَاءِ الْجِنِّ عَلَى الْإِحْسَانِ فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَيْسَ لِلْجِنِّ ثَوَابٌ إِلَّا أَنْ يُجَارُوا مِنْ عَذَابِ النَّارِ ثُمَّ يُقَالُ لَهُمْ كُونُوا تُرَابًا مِثْلَ الْبَهَائِمِ، وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى وَالضَّحَّاكُ: كَمَا يُجَازَوْنَ عَلَى الْإِسَاءَةِ يُجَازَوْنَ عَلَى الْإِحْسَانِ فَيَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ. وَحَكَى الْفَخْرُ أَنَّ مُنَاظَرَةً جَرَتْ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بَيْنَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَلَمْ أَرَهُ لِغَيْرِهِ. وَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ لَا جَدْوَى لَهَا وَلَا يَجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِ اعْتِقَادُ شَيْءٍ مِنْهَا سِوَى أَنَّ الْعَالِمَ إِذا مرّت بهَا الْآيَاتُ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ فَهْمُهَا.
وَمَعْنَى فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ أَنَّهُ لَا يَنْجُو مِنْ عِقَابِ اللَّهِ عَلَى عَدَمِ إِجَابَتِهِ دَاعِيَهُ، فمفعول بِمُعْجِزٍ مُقَدَّرٌ دَلَّ عَلَيْهِ الْمُضَافُ إِلَيْهِ فِي قَوْلِهِ: داعِيَ اللَّهِ أَيْ فَلَيْسَ بِمُعْجِزِ اللَّهِ، وَقَالَ فِي سُورَةِ الْجِنِّ [12] أَنْ لَنْ نُعْجِزَ اللَّهَ فِي الْأَرْضِ وَلَنْ نُعْجِزَهُ هَرَباً وَهُوَ نَفْيٌ لِأَنْ يَكُونَ يَعْجِزُ طَالِبُهُ، أَيْ نَاجِيًا مِنْ قُدْرَةِ اللَّهِ عَلَيْهِ. وَالْكَلَامُ كِنَايَةٌ عَنِ الْمُؤَاخَذَةِ بِالْعِقَابِ.
وَالْمَقْصُودُ مِنْ قَوْلِهِ: فِي الْأَرْضِ تَعْمِيمُ الْجِهَاتِ فَجَرَى عَلَى أُسْلُوبِ اسْتِعْمَالِ الْكَلَامِ الْعَرَبِيِّ وَإِلَّا فَإِنَّ مَكَانَ الْجِنِّ غَيْرُ مُعَيَّنٍ. ولَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءُ، أَيْ لَا نَصِيرَ
يَنْصُرُهُ عَلَى اللَّهِ وَيَحْمِيهِ مِنْهُ، فَهُوَ نَفْيُ أَنْ يَكُونَ لَهُ سَبِيلٌ إِلَى النَّجَاةِ بِالِاسْتِعْصَامِ بِمَكَانٍ لَا تَبْلُغُ إِلَيْهِ قُدْرَةُ اللَّهِ، وَلَا بِالِاحْتِمَاءِ بِمَنْ يَسْتَطِيعُ حِمَايَتَهُ مِنْ عِقَابِ اللَّهِ. وَذِكْرُ هَذَا تَعْرِيضٌ لِلْمُشْرِكِينَ.
وَاسْمُ الْإِشَارَةِ فِي أُولئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ لِلتَّنْبِيهِ عَلَى أَنَّ مَنْ هَذِهِ حَالَهُمْ جَدِيرُونَ بِمَا يَرِدُ بَعْدَ اسْمِ الْإِشَارَةِ مِنَ الْحُكْمِ لِتَسَبُّبِ مَا قَبْلَ اسْمِ الْإِشَارَةِ فِيهِ كَمَا فِي قَوْلِهِ: أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ [لُقْمَان: 5] . وَالظَّرْفِيَّةُ الْمُسْتَفَادَةُ مِنْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ مَجَازِيَّةٌ لِإِفَادَةِ قُوَّةِ تَلَبُّسِهِمْ بِالضَّلَالِ حَتَّى كَأَنَّهُمْ فِي وِعَاءٍ هُوَ الضَّلَالُ. وَالْمُبِينُ: الْوَاضِحُ، لِأَنَّهُ ضَلَالٌ قَامَتِ الْحُجَجُ وَالْأَدِلَّةُ عَلَى أَنه بَاطِل.

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 26  صفحه : 62
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست