responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 26  صفحه : 61
داعِيَ اللَّهِ عَلَى طَرِيقَةِ التَّبَعِيَّةِ وَهِيَ تَابِعَةٌ لِاسْتِعَارَةِ الْإِجَابَةِ لِمَعْنَى الْعَمَلِ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ داعِيَ اللَّهِ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّهُ يَدْعُو إِلَى اللَّهِ بِالْقُرْآنِ. وَعَطْفُ وَآمِنُوا بِهِ عَلَى أَجِيبُوا داعِيَ اللَّهِ عَطْفُ خَاصٍّ عَلَى عَامٍّ.
وَضَمِيرُ بِهِ عَائِدٌ إِلَى اللَّهِ، أَيْ وَآمِنُوا بِاللَّهِ، وَهُوَ الْمُنَاسِبُ لِتَنَاسُقِ الضَّمَائِرِ مَعَ يَغْفِرْ لَكُمْ ويُجِرْكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ أَوْ عَائِدٌ إِلَى دَاعِيَ اللَّهِ، أَيْ آمِنُوا بِمَا فِيهِ أَوْ آمِنُوا بِمَا جَاءَ بِهِ، وَعَلَى الِاحْتِمَالَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ يَقْتَضِي أَنَّ هَؤُلَاءِ الْجِنَّ مَأْمُورُونَ بِالْإِسْلَامِ.
ومِنْ فِي قَوْلِهِ: مِنْ ذُنُوبِكُمْ الْأَظْهَرُ أَنَّهَا لِلتَّعْلِيلِ فَتَتَعَلَّقُ بِفِعْلِ أَجِيبُوا بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ مُجَابٌ بِفِعْلِ يَغْفِرْ، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ تَبْعِيضِيَّةً، أَيْ يَغْفِرْ لَكُمْ بَعْضَ ذُنُوبِكُمْ فَيَكُونُ ذَلِكَ احْتِرَازًا فِي الْوَعْدِ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَتَحَقَّقُوا تَفْصِيلَ مَا يُغْفَرُ مِنَ الذُّنُوبِ وَمَا لَا يُغْفَرُ إِذْ كَانُوا قَدْ سَمِعُوا بَعْضَ الْقُرْآنِ وَلَمْ يُحِيطُوا بِمَا فِيهِ. وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ زَائِدَةً لِلتَّوْكِيدِ عَلَى رَأْيِ جَمَاعَةٍ مِمَّنْ يَرَوْنَ زِيَادَةَ مِنْ فِي الْإِثْبَاتِ كَمَا تُزَادُ فِي النَّفْيِ. وَأَمَّا مِنْ الَّتِي فِي قَوْلِهِ:
وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ فَهِيَ لِتَعْدِيَةِ فِعْلِ يُجِرْكُمْ لِأَنَّهُ يُقَالُ: أَجَارَهُ مِنْ ظُلْمِ فُلَانٍ، بِمَعْنَى مَنَعَهُ وَأَبْعَدَهُ.
وَحِكَايَةُ اللَّهِ هَذَا عَنِ الْجِنِّ تَقْرِيرٌ لِمَا قَالُوهُ فَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ لِلْجِنِّ إِدْرَاكًا لِلْمَعَانِي وَعَلَى أَنَّ مَا تَدُلُّ عَلَيْهِ أَدِلَّةُ الْعَقْلِ مِنَ الْإِلَهِيَّاتِ وَاجِبٌ عَلَى الْجِنِّ اعْتِقَادُهُ لِأَنَّ مَنَاطَ التَّكْلِيفِ بِالْإِلَهِيَّاتِ الْعَقْلِيَّةِ هُوَ الْإِدْرَاكُ، وَأَنَّهُ يَجِبُ اعْتِقَادُ الْمُدْرَكَاتِ إِذَا تَوَجَّهَتْ مَدَارِكُهُمْ إِلَيْهَا أَوْ إِذَا نُبِّهُوا إِلَيْهَا كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ قِصَّةُ إِبْلِيسَ. وَهَؤُلَاءِ قَدْ نُبِّهُوا إِلَيْهَا بِصَرْفِهِمْ إِلَى اسْتِمَاعِ الْقُرْآنِ وَهُمْ قَدْ نَبَّهُوا قَوْمَهُمْ إِلَيْهَا بِإِبْلَاغِ مَا سَمِعُوهُ مِنَ الْقُرْآنِ وَعَلَى حَسَبِ هَذَا الْمَعْنَى يَتَرَتَّبُ الْجَزَاءُ بِالْعِقَابِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ [السَّجْدَة:
13] ، وَقَالَ فِي خِطَابِ الشَّيْطَانِ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ [ص: 85] ، فَأَمَّا فُرُوعُ الشَّرِيعَةِ فَغَيْرُ لَائِقَةٍ بِجِنْسِ الْجِنِّ. وَظَاهِرُ الْآيَةِ أَنَّ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ بَلَغَتْهُمْ دَعْوَةُ الْقُرْآنِ مُؤَاخَذُونَ إِذَا لَمْ يَعْمَلُوا بِهَا وَأَنَّهُمْ يُعَذَّبُونَ.

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 26  صفحه : 61
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست