responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 26  صفحه : 60
وَوَصَفَ الْكِتَابَ بِأَنَّهُ أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى دُونَ: أُنْزِلَ على مُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّ «التَّوْرَاةَ» آخِرُ كِتَابٍ مِنْ كُتُبِ الشَّرَائِعِ نَزَلَ قَبْلَ الْقُرْآنِ، وَأَمَّا مَا جَاءَ بَعْدَهُ فَكُتُبٌ مُكَمِّلَةٌ لِلتَّوْرَاةِ وَمُبَيِّنَةٌ لَهَا مِثْلُ «زبور دَاوُد» و «إنجيل عِيسَى» ، فَكَأَنَّهُ لَمْ يَنْزِلْ شَيْءٌ جَدِيدٌ بَعْدَ «التَّوْرَاةِ» فَلَمَّا نَزَلَ الْقُرْآنُ جَاءَ بِهَدْيٍ مُسْتَقِلٍّ غَيْرِ مَقْصُودٍ مِنْهُ بَيَانُ التَّوْرَاةِ وَلَكِنَّهُ مُصَدِّقٌ
لِلتَّوْرَاةِ وَهَادٍ إِلَى أَزْيَدَ مِمَّا هَدَتْ إِلَيْهِ «التَّوْرَاة» .
ولِما بَيْنَ يَدَيْهِ: مَا سَبَقَهُ مِنَ الْأَدْيَانِ الْحَقِّ. وَمَعْنَى يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ: يَهْدِي إِلَى الِاعْتِقَادِ الْحَقِّ ضِدَّ الْبَاطِلِ مِنَ التَّوْحِيدِ وَمَا يَجِبُ لِلَّهِ تَعَالَى مِنَ الصِّفَاتِ وَمَا يَسْتَحِيلُ وَصْفُهُ بِهِ.
وَالْمُرَادُ بِالطَّرِيقِ الْمُسْتَقِيمِ: مَا يُسْلَكُ مِنَ الْأَعْمَالِ وَالْمُعَامَلَةِ. وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ مِنَ الْجَزَاءِ، شَبَّهَ ذَلِكَ بِالطَّرِيقِ الْمُسْتَقِيمِ الَّذِي لَا يَضِلُّ سَالِكُهُ عَنِ الْقَصْدِ مِنْ سَيْرِهِ. وَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِ الْحَقِّ مَا يَشْمَلُ الِاعْتِقَادَ وَالْأَعْمَالَ الصَّالِحَةَ وَيُرَادُ بِالطَّرِيقِ الْمُسْتَقِيمِ الدَّلَائِلُ الدَّالَّةُ عَلَى الْحَقِّ وَتَزْيِيفِ الْبَاطِلِ فَإِنَّهَا كَالصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ فِي إبلاغ متبعها إِلَى مَعْرِفَةِ الْحَقِّ.
وَإِعَادَتُهُمْ نِدَاءَ قَوْمِهِمْ لِلِاهْتِمَامِ بِمَا بَعْدَ النِّدَاءِ وَهُوَ أَجِيبُوا داعِيَ اللَّهِ إِلَى آخِرِهِ لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ مِنْ تَوْجِيهِ الْخِطَابِ إِلَى قَوْمِهِمْ وَلَيْسَ الْمَقْصُودُ إِعْلَامُ قَوْمِهِمْ بِمَا لَقُوا مِنْ عَجِيبِ الْحَوَادِثِ وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ تَوْطِئَةً لِهَذَا، وَلِأَنَّ اخْتِلَافَ الْأَغْرَاضِ وَتَجَدُّدَ الْغَرَضِ مِمَّا يَقْتَضِي إِعَادَةَ مِثْلِ هَذَا النِّدَاءِ كَمَا يُعِيدُ الْخَطِيبُ قَوْلَهُ: «أَيُّهَا النَّاسُ» كَمَا وَقَعَ فِي خُطْبَةِ حَجَّةِ الْوَدَاعِ. وَاسْتُعِيرَ أَجِيبُوا لِمَعْنَى: اعْمَلُوا وَتَقَلَّدُوا تَشْبِيهًا لِلْعَمَلِ بِمَا فِي كَلَامِ الْمُتَكَلِّمِ بِإِجَابَةِ نِدَاءِ الْمُنَادِي كَمَا فِي الْآيَةِ: إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي [إِبْرَاهِيم: 22] أَيْ إِلَّا أَنْ أَمَرْتُكُمْ فَأَطَعْتُمُونِي لِأَنَّ قَوْمَهُمْ لَمْ يَدْعُهُمْ دَاعٍ إِلَى شَيْءٍ، أَيْ أَطِيعُوا مَا طُلِبَ مِنْكُمْ أَنْ تَعْمَلُوهُ.
وداعي اللَّهِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْقُرْآنَ لِأَنَّهُ سَبَقَ فِي قَوْلِهِمْ: إِنَّا سَمِعْنا كِتاباً أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى. وَأُطْلِقَ عَلَى الْقُرْآنِ داعِيَ اللَّهِ مَجَازًا لِأَنَّهُ يَشْتَمِلُ عَلَى طَلَبِ الِاهْتِدَاءِ بِهَدْيِ اللَّهِ، فَشُبِهَ ذَلِكَ بِدُعَاءٍ إِلَى اللَّهِ وَاشْتُقَّ مِنْهُ وَصْفٌ لِلْقُرْآنِ بِأَنَّهُ

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 26  صفحه : 60
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست