responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 2  صفحه : 335
أَمَّا مَنِ ارْتَدَّ فِي حَيَاةِ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَجَعَ إِلَى الْإِسْلَامِ فِي حَيَاتِهِ وَصَحِبَهُ فَفَضْلُ الصُّحْبَةِ حَاصِلٌ لَهُ مِثْلُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ.
فَإِنْ قُلْتَ: مَا السِّرُّ فِي اقْتِرَانِ هَذَيْنِ الشَّرْطَيْنِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ مَعَ خُلُوِّ بَقِيَّةِ نَظَائِرِهَا عَنْ ثَانِي الشَّرْطَيْنِ، قُلْتُ: تِلْكَ الْآيُ الْأُخَرُ جَاءَتْ لِتَهْوِيلِ أَمْرِ الشِّرْكِ عَلَى فَرْضِ وُقُوعِهِ مِنْ غَيْرِ مُعَيَّنٍ كَمَا فِي آيَةِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمانِ [الْمَائِدَة: 5] أَوْ وُقُوعِهِ مِمَّنْ يَسْتَحِيلُ وُقُوعُهُ مِنْهُ كَمَا فِي آيَةِ: وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كانُوا يَعْمَلُونَ [الْأَنْعَام: 88] وَآيَةِ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ [الزمر: 65] فَاقْتَصَرَ فِيهَا عَلَى مَا يَنْشَأُ عَنِ الشِّرْكِ بَعْدَ الْإِيمَانِ مِنْ حَبَطِ الْأَعْمَالِ، وَمِنَ الْخَسَارَةِ بِإِجْمَالٍ، أَمَّا هَذِهِ الْآيَةُ فَقَدْ وَرَدَتْ عَقِبَ ذِكْرِ مُحَاوَلَةِ الْمُشْرِكِينَ وَمُعَالَجَتِهِمُ ارْتِدَادَ الْمُسْلِمِينَ الْمُخَاطَبِينَ بِالْآيَةِ، فَكَانَ فَرْضُ وُقُوعِ الشِّرْكِ وَالِارْتِدَادِ مِنْهُمْ أَقْرَبَ، لِمُحَاوَلَةِ الْمُشْرِكِينَ ذَلِكَ بِقِتَالِ الْمُسْلِمِينَ، فَذُكِرَ فِيهَا زِيَادَةَ تَهْوِيلٍ وَهُوَ الْخُلُودُ فِي النَّارِ.
وَكَانَتْ هَذِهِ الْآيَةُ مِنْ دَلَائِل النُّبُوَّة، إِذا وَقَعَ فِي عَامِ الرِّدَّةِ، أَنَّ مَنْ بَقِيَ فِي قَلْبِهِمْ أَثَرُ الشِّرْكِ حَاوَلُوا مِنَ الْمُسْلِمِينَ الِارْتِدَادَ وَقَاتَلُوهُمْ عَلَى ذَلِكَ فَارْتَدَّ فَرِيقٌ عَظِيمٌ وَقَامَ لَهَا الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِعَزْمِهِ وَيَقِينِهِ فَقَاتَلَهُمْ فَرَجَعَ مِنْهُمْ مَنْ بَقِيَ حَيًّا، فَلَوْلَا هَذِهِ الْآيَةُ لَأَيِسُوا مِنْ فَائِدَةِ الرُّجُوعِ إِلَى الْإِسْلَامِ وَهِيَ فَائِدَةُ عَدَمِ الْخُلُودِ فِي النَّارِ.
وَقَدْ أَشَارَ الْعَطْفُ فِي قَوْلِهِ: فَيَمُتْ بِالْفَاءِ الْمُفِيدَةِ لِلتَّعْقِيبِ إِلَى أَنَّ الْمَوْتَ يَعْقُبُ الِارْتِدَادَ وَقَدْ عَلِمَ كُلُّ أَحَدٍ أَنَّ مُعْظَمَ الْمُرْتَدِّينَ لَا تَحْضُرُ آجَالُهُمْ عَقِبَ الِارْتِدَادِ فَيَعْلَمُ السَّامِعُ حِينَئِذٍ أَنَّ الْمُرْتَدَّ يُعَاقَبُ بِالْمَوْتِ عُقُوبَةً شَرْعِيَّةً، فَتَكُونُ الْآيَةُ بِهَا دَلِيلًا عَلَى وُجُوبِ قَتْلِ الْمُرْتَدِّ.
وَقَدِ اخْتَلَفَ فِي ذَلِكَ عُلَمَاءُ الْأُمَّةِ فَقَالَ الْجُمْهُورُ يُسْتَتَابُ الْمُرْتَدُّ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَيُسْجَنُ لِذَلِكَ فَإِنْ تَابَ قُبِلَتْ تَوْبَتُهُ وَإِنْ لَمْ يَتُبْ قُتِلَ كَافِرًا وَهَذَا قَوْلُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَعُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ سَوَاءٌ كَانَ رَجُلًا أَوِ امْرَأَةً، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي الرَّجُلِ مِثْلَ قَوْلِهِمْ، وَلَمْ يَرَ قَتْلَ الْمُرْتَدَّةِ بَلْ قَالَ تُسْتَرَقُّ، وَقَالَ أَصْحَابُهُ تُحْبَسُ حَتَّى تُسْلِمَ، وَقَالَ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ وَمُعَاذُ بن جبل وطاووس وَعُبَيْدُ الله بن عَمْرو وَعَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ الْمَاجشون وَالشَّافِعِيّ يقتل الْمُرْتَدِّ وَلَا يُسْتَتَابُ، وَقِيلَ يُسْتَتَابُ شَهْرًا.
وَحُجَّةُ الْجَمِيعِ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ «مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ» وَفِعْلُ الصَّحَابَةِ فقد قَاتل أبوبكر الْمُرْتَدِّينَ وَأَحْرَقَ عَلِيٌّ السَّبَائِيَّةَ الَّذِينَ ادَّعَوْا أُلُوهِيَّةَ عَلِيٍّ، وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْحَدِيثِ مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ الَّذِي هُوَ الْإِسْلَامُ، وَاتَّفَقَ الْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ (مَنْ)

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 2  صفحه : 335
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست